أعدت مجلة مقدمات بتمويل من مؤسسة “فريدريك إيبرت” دراسة بعنوان: القيم والممارسات الدينية عند المغاربة، تهدف إلى إبراز حقيقة تشبث المغاربة بالقيم والمعتقدات الدينية، وهي في الجملة تعطي نظرة تقريبية عما وصل إليه ارتباط المغاربة بدينهم ومدى التزامهم بأوامر ربهم.
والمنهج الذي حكم هذه الدراسة لا يخرج عن منهج علم الاجتماع الغربي المادي، ومعلوم أن العلوم الإنسانية الغربية ككل هي جزء من المجتمع الغربي، أفقها محدد بأفق مجتمعها في معظم الأحيان، ولذا نجد أن العلمانية الشاملة تمثل منطلقات بل مرجعية علم الاجتماع في الغرب.
ينتظر رجال الاجتماع في بلادنا ما يسمونه بـ”تراجع الدين”، ويأملون أن تأتي العقلانية -رغم اعترافهم بفشلها- بثمارها مثلما حدث في الغرب، ويتوقعون مواجهة منسجمة بين الدولة والإسلام مثلما حدث بين الدولة والكنيسة في الغرب.
يطمحون أن تسجل بحوثهم شهادة على تراجع الدين ممثلة في قلة الممارسة الدينية، وتطبيق الفروض الدينية، وتفكك الشعائر الدينية تحت ضغط التمدن والتصنيع مثلما حدث في الغرب.
ويشكل هذا التراجع الذي يطمحون إليه بالنسبة إليهم أفقاً فكرياً وثقافياً يسمح لهم بالعبث في النسيج العقيدي لبلادنا وتخريبه. فهم لا يريدون أية مقاومة من العلماء لمواجهة هذا التخريب، ويسعون إلى الانفلات من قبضتهم مثلما أفلت الغربيون من ضغوط الكنيسة. إن نجاحهم في الإفلات من قبضة العلماء سيسمح لهم بعمل مميز في علم الاجتماع ألا وهو -نقد الدين- الذي يمثل أول خطوة في تفكيكه.
ومن المفرقات العجيبة أن تستضيف الرابطة المحمدية للعلماء معدّي الدراسة -ذوي الفكر العلماني- وتعقد ندوة باسم “الشباب والتدين”.
أليس من الواجب على الوزارة الوصية محاربة الفكر الذي يلغي الدين من المجتمع؟
ألا يعلمون أن أهم القراءات التي تلت صدور هذه الدراسة ونوهت وأشادت بها، هي قراءات علمانية استبشرت خيرا ببداية علمنة المغرب، وأنه يسير على خطى أوربا في إلغاء الدين!
وهل تقديم هؤلاء الباحثين من طرف الأمين العام للرابطة أحمد العبادي بفضيلة الدكتور، هو رضا منه على ما يقوم به هؤلاء الباحثون من دراسات مجتمعية تسهل على الغرب اختراق المجتمع المغربي، ومحاولة تقويض هويته الإسلامية؟
ألا يعلم القائمون على الرابطة أن الممول الرئيسي لهذه الدراسة هي منظمة “فريديريك ايبرت” وهي منظمة ألمانية غير حكومية تقوم بدراسات داخل المجتمعات الإسلامية لمعرفة أسهل الطرق لاختراقها!
ثم لماذا هذه الدراسة في هذه الآونة بالذات؟
إن الغرب يعتبر أنّ الصحوة الإسلامية -إذا ما تم توجيهها بشكلٍ إيجابيٍ يُعيد المسلمين إلى دِينهم وأصالتهم الإسلامية..- تؤدي إلى توحيد البلاد الإسلامية على أساس الإسلام ومقومات الهوية، وبذلك تتهيأ الفرصة التاريخية لبناء دولةٍ مسلمةٍ قويةٍ موحَّدة، وحضارةٍ إسلاميةٍ مستقلةٍ متميّزةٍ عن الحضارة الغربية، بل ستحلّ محلّ الحضارة الغربية الحالية الآيلة إلى الزوال، بعد أن بدأت عوامل انهيارها تهدّد المجتمعات الغربية الفاسدة، القائمة على المادية الصرفة، والفساد الأخلاقيّ والفراغ القِيَمِيّ، ولذلك هم يعملون جاهدين على وأد هذه الصحوة من خلال معرفة أسباب حياتها عن طريق هذه الدراسات.
وأخيرا، إذا كانت الرابطة المحمدية لعلماء المغرب تدعوا المنظمات والباحثين الغربيين أو المستغربين للقيام بمثل هذه الدراسات، فما موقفها من النتيجة التي توصلت إليها الدراسة من كون المغاربة يسيرون في طريق العلمانية على غرار أوربا التي تدعو إلى الإلحاد، وترى الاستهزاء بالرب والرسل والإيمانيات من صميم حرية التعبير؟
ولتسليط الضوء على هذه الدراسة وإجلاء الصورة وراء الغاية من إنجازها أعددنا هذا الملف.