السلطات المغربية وازدواجية المعايير مجتمع مدني مقبول وآخر مرفوض مؤمنون ممتازون ومؤمنون من الدرجة الثانية

لم يكن أحد ينتظر أن يتطور أمر تفسير آية الطلاق من طرف الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي إلى إقدام السلطات على إغلاق خمسين دارا للقرآن الكريم، تسهر على تأطير مئات الآلاف من المواطنين المغاربة من النساء والفتيات والرجال والفتيان من مختلف الفئات العمرية، يستفيدون من أنشطة تحفيظ القرآن الكريم وبرامج محو الأمية ودروس العلم الشرعي، ولم يكن أحد ينتظر أن يخرج المجلس العلمي الأعلى فيخالف حكمة الصمت المطبق التي ارتضاها منهجا له في التعامل مع قضايا المغاربة، ليروع أفئدة المئات من حملة القرآن وطلابه فيدخل عليهم الحزن في أيام الفرح أيام العشر الأواخر من شهر الرحمة والقرآن رمضان الأبرك.

إن قضية تفسير آية الطلاق وما ترتب عنها من إغلاق عشرات دور القرآن وتعطيل نشاط الجمعيات المسؤولة عنها كشف بالواضح تناقضات كثيرة، يدل وجودها عن ازدواجية في التعامل مع فئات المواطنين في خرق سافر لقيم العدل والإنصاف والمساواة نجليها من خلال النقط التالية:
مجتمع مدني مقبول وآخر مرفوض
بعد إقدام السلطات على طول وعرض التراب الوطني على إغلاق الجمعيات القرآنية، يتساءل كثير من المتتبعين عن المعايير التي يعتمدها المسؤولون في التمييز بين الفاعلين في المجتمع المدني، فقد أصبح من الواضح أن هناك تمييزا سافرا بين المشتغلين في العمل الجمعوي، وذلك حسب القناعات والأفكار والمعتقدات الشيء الذي يتنافى مع أصغر شرط من شروط المجتمع المبني على أسس العدل والمساواة.
فكيف تغلق عشرات الجمعيات لكونها حسب التقسيم الاستخباراتي منسجمة مع الدكتور المغراوي من الناحية الفكرية؟ ومتى كانت القناعات سالبة للحق في التنظيم والاجتماع رغم عدم مصادمتها للقانون أو تعارضها مع أحكامه؟
إن كل الجمعيات التي تم إغلاقها تنشط في المجتمع المغربي داخل إطار قانون الحريات العامة، ولها برامج محو الأمية تشارك من خلالها في التنمية البشرية، لها نتائج ملموسة على أرض الواقع ولا تكلف ميزانية الدولة درهما واحدا، بل تخفف عليها أعباء كثيرة من خلال تركيزها على فئات المنحرفين والمدمنين والمجرمين، فكل مجرم يتوب ويغير سلوكه إلا ويعفي خزينة الدولة من تكاليف إقامته بالسجن وتكاليف علاج ضحاياه، هذا بالإضافة إلى الخسائر المادية التي يحدثها حال تأثير المخدرات والمهلوسات على عقله.
فأمريكا التي تدفع الدول الإسلامية إلى محاربة أبنائها الملتزمين بدينهم أصدرت قوانين في بلادها تساعد الجمعيات الدينية الأمريكية لأنها تخفف من نفقات ميزانيات إدارة السجون ووزارات الصحة والعدل والداخلية، وذلك من خلال إعادة تربية وإدماج المنحرفين وتهذيب سلوكاتهم.
بينما للأسف نجد موقف السلطات المغربية من الجمعيات القرآنية يعطي الانطباع بأن السلطات لا تعترف بتنمية بشرية يشارك فيها ملتحون أو منقبات أو محتجبات، مستجيبة بالكامل لتأثير الصحافة والإعلام والجمعيات العلمانية التي تعمل بشكل دائم على تشويه سمعة المتدينين وإقصائهم من المجالات الاجتماعية والسياسية رغبة من أصحابها في التضييق على كل من بدت عليه معالم الالتزام واضطرارهم إلى ارتكاب أعمال عنف تسوغ الزج بهم في السجون ليلحقوا بأصحاب الفكر الغالي والمتطرف، وذلك لمجرد أنهم وفّروا لحاهم ورجعوا إلى تعاليم دين آبائهم وأجدادهم.
فتهم العلمانيين لمدارس القرآن بترويج فكر الانغلاق والضلال كذب واضح وزور يفنده الواقع، فخريجو دور القرآن ولله الحمد يشهد من يتعامل معهم على اندماجهم في المجتمع، حيث فيهم موظفون في الإدارات العمومية بمختلف تخصصاتها، فضلا عن تواجدهم في القطاع الخاص، ومنهم الإداريون والأطباء والمهندسون والتقنيون وأئمة للمساجد ورؤساء جمعيات تشتغل في المجتمع المدني لهم الأيادي البيضاء..، فلا يكاد يخلو قطاع من القطاعات من تواجدهم وهم إلى ذلك محبوبون من طرف زملائهم في العمل، وهذا ما يثير حفيظة العلمانيين المتربصين دوما بهؤلاء الصالحين.

مؤمنون ممتازون ومؤمنون من الدرجة الثانية
إن المرء ليتساءل عن الفئة التي عناها وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية حين فسر صدور البلاغ بأنه كان لازما لتسكين قلوب المؤمنين التي أقلقها تفسير الدكتور المغراوي.
فمن هي يا ترى هذه الفئة المؤمنة التي روعها تفسير آية والتي استحقت أن يضحي الوزير من أجل تحقيق سكينة قلوبها بسكينة قلوب الآلاف من المغاربة حملة القرآن وطلابه، ولم يكترث لمستقبل أبنائهم الذين رمى بهم بلاغ قليل الكلمات كثير الدلالات إلى الشارع بعد إقفال مدارسهم؟
من هم هؤلاء المؤمنون الذين يسرهم أن تغلق دور القرآن وأن تعطل أنشطتها؟
لا يشك أحد تتبع تطورات القضية أن هذه الفئة من المؤمنين تمثلها بالخصوص نساء الرابطة الديمقراطية لحقوق الإنسان التي انتفضت رئيستها فوزية عسولي وأقسمت بكل المواثيق الدولية أن تجعل وزير الأوقاف يتبنى قضيتها، ويحرك المجلس العلمي الأعلى لينتقم من صاحب ذلك التفسير الذي يحرض على اغتصاب الفتيات، وبالفعل برّها السيد الوزير في قسمها، وحلفت أيضا بكل بند من بنود إعلان حقوق الإنسان أن تدفع وزير العدل حتى يحرك الدعوى ضد الدكتور المفسر، فلم تحنث أيضا لأن “الراضي” بدوره شديد الإيمان بما حلفت به فوزية عسولي، فكان ثمن تسكين قلوب نساء رابطتها ترويع الآلاف من المواطنين المغاربة، وكأنهم ليسوا رعايا أمير المؤمنين يدينون له بالولاء أكثر وأخلص من نساء عسولي ورجالها المتآمرون على ثوابت الأمة.
مساكين أولئك الطلبة وتلك الطالبات، لم يشفع لهم إيمانهم بوجوب طاعة ولاة الأمور ولا تبنيهم لنبذ العنف والتطرف في أن يستكملوا دراستهم بمؤسساتهم القرآنية، مادام بينهم ملتحون ومنتقبات يروعن سكينة قلوب عسولي ومن على شاكلتها من الذين تشمئز قلوبهم من تزويج القاصرات ولو في إطار المدونة وبأمر من القاضي، بينما تلين جلودهم وتنشرح صدورهم عندما يشاهدون قاصرات في أحضان عشاقهن تعلو محياهن فرحة المتعة بالحياة، وهن يمارسن حريتهن الشخصية دون قيد أو شرط وفق التصور العلماني المخلص دوما وفقط للمواثيق الدولية، ولو خالفت كل المواثيق الربانية التي أخذ الله الميثاق على العلماء ليبينوها للناس ولا يكتمونها.
فمن هو أولى بالأمن والسكينة؟ من لزم ما فرضه الله عليه ورغِب في حفظ القرآن والتزم طاعة ولاة أموره؟ أمن يرى أن للفتاة الحرية في ممارسة الزنا ما دام الأمر بالتراضي بين الطرفين، ويدعو إلى احترام حقوق الشواذ، ويستقوي بالمنظمات الدولية وحكومات الدول الأجنبية، طالبا منها ممارسة الضغط على المسؤولين في بلاده حتى يقبلوا برفع التحفظات عن باقي المطالب العلمانية لتجهز هذه الأخيرة على ما تبقى من مظاهر التدين لدى المغاربة؟
ولماذا لم يقم المجلس الأعلى بإصدار بلاغ يتهم فيه فوزية عسولي المطالبة بإلغاء أحكام الإرث بالشغب والتشويش على ثوابت الأمة، وينعتها بالفتنة والضلال والإضلال للمؤمنين الذين يعتقدون أن تطبيق أحكام الله في المواريث جزء من دينهم؟
أم أن السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية لا يهمه ترويع هذا الصنف من المؤمنين؟ أم أن العلماء في مجلسنا العلمي الأعلى لا يعتبرون أحكام الإرث من المذهب المالكي؟ وحتى لو صدر البلاغ هل ستتحرك السلطات لتغلق الفروع التابعة لرابطتها بدعوى أنها تابعة لفوزية عسولي كما سبق وأن تعاملت مع الجمعيات المغلقة رغم استقلالها القانوني والإداري عن الدكتور المغراوي؟
إن المرء في النهاية ليتساءل من له المصلحة في أن يضطرب الأمن في المغرب، ومن له المصلحة في أن يعتقد آلاف المواطنين أن ولاة أمورهم يحاربون القرآن الكريم؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *