المجانين من نيرون إلى القذافي.. ماذا يفعلون بشعوبهم شريف عبد العزيز

نيرون هو آخر أباطرة الرومان من الأسرة اليوليوكلودية (من 27 ق.م حتى 68م) بدأ نيرون حكمه بفترة من الإصلاحات وذلك بتأثير، ولكنه كان صغيراً في السن ليحكم هذه الإمبراطورية الواسعة، فقد كان سنه 16 سنة، فانقلب حكمه إلى كابوس مخيف وانغمس في اللهو، والغريب أنه سيطرت عليه رغباته أنه بارع كمغنى ولاعب للقيثارة وسائق عربة حربية، والمؤرخ المتتبع لكيفية وصول الأباطرة إلى عرش روما يكتشف بسهولة أنه كان غالبا عن طريق الاغتيالات السياسية التي أصبحت السمة الأساسية للحكم في روما.
كان نيرون أحمق شديد السفه كثير التلون، دائم الغدر بأقرب الناس إليه حتى أنه قد قتل أمه وزوجته ومعلمه، أما أشهر جرائمه على الإطلاق كان حريق روما الشهير سنة 64 م حيث راوده خياله في أن يعيد بناء روما، وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير حيث شبت فيها النيران وانتشرت بشدة لمدة أسبوع في أنحاء روما، والتهمت النيران عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربعة عشر، وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق وفي وسط صراخ الضحايا كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه وبيده آلة الطرب يغني ويطرب بمشاهد الدمار والخراب والموت الفظيع.
أما عن مصيره هذا الطاغية المجنون فقد ثار عليه شعبه وحاصروا قصره، فانتحر وقتل نفسه قبل أن يقبض عليه شعبه ويحاكمه على جرائمه وطغيانه.

الحاكم الفاطمي على خطي نيرون
نيرون ظل لفترة طويلة رمزا للاستبداد والطغيان والجنون الذي يكون عليه الحكام والزعماء، حتى ظهر في أواخر القرن الرابع الهجري شخصية هي أشد جنونا وخبلا من نيرون إمبراطور روما، وهو الحاكم بأمره الفاطمي الخبيث الزنديق الذي أنسى الناس كلهم تاريخ كل المجانين على مر التاريخ، فقد تولى الحاكم الخلافة في الدولة الفاطمية الخبيثة وهو في سن الثالثة عشر، فعمل بنصائح معلميه ووزرائه حتى اشتد عوده، وعندها كشف عن جنون مطبق وحمق غير مسبوق، فقد كان يأمر بالأمر وعكسه، غريب الأطوار، جلس في الظلام سبع سنين، أمر بفتح الأسواق ليلا وإغلاقها نهارا، قرب العلماء والصلحاء ثم ذبحهم، كتب سب الصحابة والسلف على أبواب المساجد بالذهب والفضة، ثم محاه بعد عدة سنوات، أجبر اليهود والنصارى على الإسلام، ثم سمح لهم بالارتداد عن الإسلام، منع النساء من الخروج إلى الطرقات ودخول الحمامات ومن التطلع من الطاقات، ثم إنه منع الناس من بيع الزبيب والعسل الأسود، ومن زرع الملوخية والقرع والترمس، كان يبنى عدة مدارس ويقرر بها العلماء ثم يقتلهم، ويهدم تلك المدارس التي بناها، هدم كنيسة القيامة في القدس فاستدعى بذلك عداوة أوروبا وقد قيل أن هدمها كان من أهم أسباب تأجيج الشعور الصليبي ضد العالم الإسلامي بعد ذلك.
وقد وصل جنونه لإدعائه الإلوهية وألزم الناس بالسجود إليه عند ذكر اسمه، وقد كرهه الناس بشدة وتفننوا في سبه والتندر عليه، ورفضوا جنونه وكفره وضلاله، فقرر الشيطان المريد تأديبهم بأبشع السبل، حيث أمر بإحضار العبيد السودان من جنوب البلاد، وأمرهم بإحراق القاهرة على رؤوس أهلها، ووقع ما لم يقع مثله في الإسلام من سفك للدماء وإزهاق للأرواح وانتهاك للحرمات، واحترقت ألاف الدور بمن فيها من النساء والأطفال والعجزة، وقد وقف الطاغية المجنون يتظاهر بالبراءة وهو يبكي ويقول: من أمر هؤلاء العبيد بمثل هذا؟
كأن الأمر لم يكن من تدبيره وتخطيطه!
وهكذا حال الطغاة الذين جمعوا بين الجنون والاستبداد.
أما عن مصير هذا الشيطان المريد فقد جاء على يد أقرب الناس إليه علي يد أخته ست الملك التي تآمرت مع قادة جيشه على اغتياله، فقتل شر قتلة سنة 411 هجرية، وارتاح من شره العباد، وطهرت من كفره وزندقته البلاد.

القذافي وارث الطغاة المجانين
القيادة الليبية ممثلة في شخص القذافي، ومنذ أن وصل لسدة الحكم في العربية الليبية في أعقاب الملكية السنوسية أي من اثنين وأربعين سنة تحديداً، وهو يعطي الأنموذج الفريد في إقرار المبدأ الشهير “خالف تعرف”، ففي ليبيا كل شيء مختلف عن سائر العالم الإسلامي والمحيط العربي والوسط الإقليمي، والمراقب الفطن للأحداث يرى قيادة شديدة الاعتداد بالنفس والعجب بالذات والاستهتار بكل ما سواه، حتى لو وصل الأمر للعقائد نفسها، ورفض العمل بالسنة بحجة وجود الضعيف والموضوع فيها، في حين يعظم الكتاب الأخضر المليء بالأعاجيب والطرائف والتناقضات، ويرفعه فوق مصاف الكتب السماوية، ويقدمه على القرآن نفسه، بل ويَقْدم على العبث والتحريف في القرآن نفسه بحذف بعض كلماته منه برأيه وهواه الفاسد، وحتى التاريخ لم يسلم من تفردات القيادة الليبية وعجائبها، فليبيا لها تاريخ خاص بها يبدأ من وفاة النبي صلي الله عليه وسلم، وليس من الهجرة مثلما تعارفت عليه الأمة منذ عهد عمر رضي الله عنه.
القذافي مع مرور السنين دخل مرحلة نضج الجنون واستوائه، والإقدام على كل غريب وعجيب، فدعم بلا محدود لجيش أيرلندا الشمالي المعارض لانجلترا، وتوجه واسع النطاق نحو الشيوعية الروسية، وخلاف ليس له ما يبرره مع أمريكا أدى لضرب السواحل الليبية بالطيران الأمريكي، ومحاصرتها اقتصادياً لفترة طويلة، مع السير على طريق الخطوات الاستعراضية التي يسمع لها ضجيج، ولا يرى لها طحين، وتغيير واسع ومتكرر للوزارات والحكومات، وخلافات شديدة مع العديد من دول الجوار والفصائل الفلسطينية بلا أدنى مبرر، واندفاع إلى الوحدة مع أي دولة عربية شريطة أن يكون هو الرئيس، مستلهما النموذج الناصري في الوحدة مع سوريا في الخمسينيات من القرن الماضي! ولكنها وحدة قصيرة العمر لا تدوم شهوراً، ثم التورط في عمليات تخريبية في ألمانيا واسكتلندا دفعت البلاد ثمنها على أثمن ما يكون.
بعدها تفتق ذهن القذافي عن مشروع الانخلاع من الهوية العربية، والتوجه بكليته نحو القارة السوداء، وراح يهدر أموالاً طائلة من خزانة الدولة على احتفالات و”كرنفالات” وهدايا وعطايا على الدول الإفريقية الصغيرة والفقيرة ليس من باب دعمها ورفع معاناتها، ولكن من باب الشهرة ولفت الأنظار، وكسب أرضية شعبية له وسط البلاد الساذج أهلها، ليهتفوا باسمه، ويمنحوه أطول وأعجب وأطرف لقب في التاريخ وهو “ملك ملوك وسلاطين وشيوخ وعمد إفريقيا، وإمام المسلمين، قائد الثورة الشعبية، وعميد الحكام، ورئيس الاتحاد الإفريقي”!!
ولكن لم يشبع ذلك نهمه وشغفه بالألقاب وكل غريب وعجيب، فاخترعت له نقابة الأشراف الصوفية في مصر نسباً للرسول صلى الله عليه وسلم، ليكون الرجل بعدها من آل البيت رضوان عليهم، وهي الخطوة التي قوبلت بالرفض من المسلمين في شتى بقاع الأرض حتى من الصوفية أنفسهم..
والقذافي الآن قد وصل إلى محطته الأخيرة في الطغيان والجنون، وصل لدرجة جنون نيرون والحاكم بأمر الشيطان الفاطمي، القذافي اليوم يقدم على خطوته الأخيرة على طريق الهلاك والخروج من الساحة الليبية إلى مزبلة التاريخ، في مستودع الطغاة.. وتماما مثلما فعل الحاكم بأمر الشيطان الفاطمي، عندما استدعى العبيد السود لإحراق القاهرة، قام خليفته طاغية ليبيا باستدعاء المرتزقة السود من مالي وزيمبابوي لقتل شعبه، لأنه لم يعد يثق في جنوده للقيام بمثل هذه العمليات القذرة، وسبحان من جعل التاريخ يتكرر، ومشاهد الطغاة المجانين، تتشابه عبر العصور، بنفس الفكر والمنطق والطريقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *