العلمانية أسقطت الخلافة والصهيونية استولت على فلسطين

مصطلح الصهيونية
كلمة “صهيوني” مشتقة من الكلمة “صهيون” وهي أحد ألقاب جبل صهيون والذي يعتبر الأقرب إلى مكان بناء الهيكل في القدس كما هو مذكور في الصحائف النصرانية واليهودية، وتعبّر كلمة “صهيون” عن أرض الميعاد وعودة اليهود إلى تلك الأرض، وقيل غير ذلك، وللصهيونية جانب عقائدي مستمد من الديانة اليهودية المحرفة التي يتبعها أنصار الحركة، وجانب ثقافي مرتبط بالهوية اليهودية وكل ما هو يهودي.
وبالرغم من اعتقاد المتدينين اليهود أن أرض الميعاد قد وهبها الله لبني إسرائيل وأن هذه الهبة أبدية لا رجعة فيها، إلا أنهم لم يتحمسوا كثيراً للصهيونية باعتبار أن أرض الميعاد ودولة “إسرائيل” لا يجب أن تُقام من قبل بني البشر كما هو الحال بل يجب أن تقوم على يد المسيح المنتظر!

تواطؤ الصهاينة والعلمانيين على إسقاط الخلافة العثمانية
نجح “ثيودور هرتزل” في الترويج لفكرة العودة إلى فلسطين وإقامة وطن لليهود هناك، وتبلور ذلك النجاح في عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة “بال” بسويسرا عام 1897م وكان من أهم نتائجه إقامة المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ البرنامج الصهيوني الذي ينص على أن “هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام”.
والملاحظ أن المنظمة الصهيونية استخدمت تعبير وطن ولم تستخدم تعبير دولة، لأن الوطن بلا حدود والصهيونية لم تضع حدوداً لدولة يهود إنما اعتبرت أن حدودها هو كل مكان عاش فيه بنو إسرائيل قديماً، فأصبح هدف الصهيونية إقامة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، ووضعت الصهيونية في حسبانها اليهود المتدينين الأعضاء في المنظمة، فجعلت لنفسها هدفاً دينياً هو إقامة هيكل سليمان من جديد، وقد عبّر الساسة الصهاينة عن هذا المخطط عندما سئلت “غولدا مائير” رئيسة وزراء الكيان الصهيوني سابقا عن حدود وطنها المزعوم فقالت: “كل مكان عاش فيه اليهود قديماً” (الموسوعة الفلسطينية، المجلد الأول).
بدأ الصهاينة بتنفيذ ما أقروه في مؤتمر “بال” عندما نجح “هرتزل” في مقابلة السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في محاولة للضغط على الدولة العثمانية، مستفيدين من الأزمة المالية التي كانت تعاني منها الدولة في تلك الفترة، فعرض “هرتزل” مبالغ ضخمة من المال تقدر بمليارات الجنيهات لسداد ديون الخلافة العثمانية في مقابل السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين وشراء الوكالة اليهودية للأراضي في فلسطين، فرفض السلطان عبد الحميد مطالبهم قائلا: “لست مستعدًّا لأن أتخلى عن شبر واحد من هذه البلاد، فهي ليست ملكي بل هي ملك لشعبي، روى ترابها بدمه، وليحتفظ اليهود بأموالهم، ولن يستطيعوا أخذ فلسطين إلا عند تشريح جثتي، وساعتها يأخذونها بلا ثمن، أما وأنا على قيد الحياة.. فلا” (موقف السلطان عبد الحميد من الحركة الصهيونية).
كانت مواقف السلطان عبد الحميد هذه من أهم الدوافع التي جعلت اليهود الصهاينة يعملون على إسقاط الخلافة للوصول إلى الاستحواذ على فلسطين ورأوا أن استمرار نظام الخلافة سيبقى مانعا دون تحقيق أملهم في إقامة الوطن المزعوم، ومن ثم عملت الصهيونية مستعينة بمحافل الماسونية على استقطاب قواد الجيش وأبرز الشخصيات النافذة في الحكم، فتكون الذين كانوا نواة حزب الاتحاد والترقي الذي تبنى العلمانية بالمفهوم الفرنسي المتطرف والذي سيقوم زعيمه فيما بعد كمال أتاتورك على إسقاط الخلافة بالتواطؤ مع المحتل الأوربي والصهاينة المتربصين.
وبعد ضعف الخلافة العثمانية تولى حزب تركيا الفتاة (الاتحاد والترقي) السلطة من عام 1908 حتى عام 1918م فدمر بإيعاز من نفوذ الاحتلال والمنظمات الماسونية العلاقات بين العرب والترك بدعوته إلى القومية الطورانية ومحاولته تتريك العرب والقضاء على لغتهم وتعليق زعمائهم على المشانق، فأعد بذلك العدة لتمزيق الدولة العثمانية وتسليم الأجزاء العربية وغير العربية منها إلى الدولة الأوربية على النحو الذي وقع فعلاً وذلك بإعلاء طابع القومية التركية والعنصرية الطورانية.
وفي سنة 1914م اندلعت الحرب العالمية الأولى بين بريطانيا وفرنسا من جهة وإمبراطورية النمسا وألمانيا والدولة العثمانية من جهة أخرى فوقفت الصهيونية مع بريطانيا وشجعت اليهود على الانخراط في خدمة الجيش البريطاني لتحقيق آمالها، كما سعت الصهيونية بواسطة العالم الكيميائي “حاييم وايزمان” اليهودي الصهيوني خليفة “هرتزل” للضغط على بريطانيا لإصدار وعد “بلفور” عندما توصل هذا العالم إلى اختراع مادة شديدة الانفجار تساعد بريطانيا على الانتصار في الحرب العظمى، عندها أصدر “بلفور” وعده الشهير الذي أعلنت فيه حكومة بلاده فلسطين وطناً قومياً لليهود”.
وبذلك جسدت بريطانيا الدور الاحتلالي البريطاني في خلق الدويلة الصهيونية على أرض فلسطين.
ثم أطلت سنة 1919م لتعلن عن انتهاء الحرب العالمية الأولى بانتصار بريطانيا وفرنسا وأصدرت عصبة الأمم قرارا بجعل فلسطين ضمن مناطق نفوذ الانتداب البريطاني، فعملت بريطانيا على إرسال “هيربرت صموئيل” اليهودي المتعصب كأول مندوب سام بريطاني لها في فلسطين، وقد سارع بتنفيذ مآرب الصهيونية وتحقيق وعد “بلفور” عن طريق فتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مصراعيه، وتسهيل انتقال ملكية أراضي فلسطين للمهاجرين الجدد.
واستمرت بريطانيا تحت الضغط الصهيوني في قمع المجاهدين الثوار، وتهجير المواطنين الفلسطينيين وإحلال اليهود الوافدين مكانهم، والعمل على تكوين وتسليح الجماعات الإرهابية التابعة للمنظمة الصهيونية، مثلت جماعتا “شتيرن” و”أرجون” أخطرها اللتين كانتا فيما بعد نواة جيش الكيان الصهيوني بعد إعلان قيام دولته. وقد كان يتزعمهما الإرهابيان الكبيران “مناحيم بيجن” و”اسحق شامير” رئيسا وزراء الكيان الصهيوني على التوالي من 1977م إلى 1993م.
مساندة أمريكا المطلقة للكيان الصهيوني
في أواخر الحرب العالمية الثانية شعرت الصهيونية بضعف دور بريطانيا أمام “هتلر” النازي فسارعت إلى نقل ثقلها السياسي والاقتصادي إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت تلعب دوراً هاماً في أوضاع العالم ونجحت الصهيونية في التغلغل ثقافياً وسياسياً واقتصادياً في معظم الولايات المتحدة، وبدأت الصهيونية تلعب دوراً هاماً في صدور القرار الأمريكي، فوقفت الولايات المتحدة مع اليهود عندما انسحبت بريطانيا من فلسطين، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية أعلن اليهود عن إقامة دولة “إسرائيل” في 15 مايو سنة 1948م وكانت الولايات المتحدة الأمريكية أول المعترفين بهذه الدولة، لتعلن بعد ذلك عن مساندتها المطلقة لهذا الكيان المحتل المغتصب.
معاناة الشعب الفلسطيني المسلم
وتحت الضغط الإرهابي الصهيوني العنيف على مدى التاريخ تشرد أكثر من مليون فلسطيني لا يحملون معهم في هجرتهم سوى الأطفال والنساء وما خف وزنه من المتاع ليلجئوا إلى البلدان العربية المجاورة يعيشون في مخيمات أعدتها الدول المجاورة بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة لإيواء المهاجرين الفارين بدينهم وأعراضهم من الوحشية الصهيونية الغادرة، هكذا قامت دولة “الكيان الصهيوني” يدعمها الظلم العالمي والإرهاب الصهيوني والضعف العربي.
واليوم أضحى الطفل الفلسطيني الذي يحمل حجرا ليدافع به عن حقه السليب إرهابياً، فما بالنا بالمقاومة الإسلامية التي تبنت حل الجهاد والمقاومة بعد أن يئست من المفاوضات العديمة الجدوى التي يتشبث بها العلمانيون رغم أنهم لم يستطيعوا من خلالها أن استرجاع ولو جزء يسير من أراضيهم المغتصبة.
إننا اليوم أمام إرهاب له فلسفة وطرق وتنظيم لم يشهد له العالم مثيلاً من قبل، فقد أصبحنا نرى مجرمين قتلة لا يفلسفون جرائمهم ولا يبررونها بل يتفاخرون بالإعلان عنها والتباهي بعدد القتلى في مذكراتهم، ليصلوا بذلك في دولة الكيان الصهيوني إلى مرتبة الوزارة ورئاسة الحكومة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *