لماذا اخترنا الملف؟

إن في اختلاف الليل والنهار؛ وتقلب الفصول وتلون الأزمان لآيات لمن تدبرها وأمعن النظر فيها؛ قال الحق جل وعلا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}؛ فاختلاف الفصول وتنوعها نعمة من نعم الله عز وجل؛ وآية من آيات الله تعالى للتفكر والاعتبار؛ فشدة البرد تذكر زمهرير جهنم؛ كما أن شدة الحر تذكِّر حرّ جهنم، وتوجب الاستعاذة بالله منها، وتجنُّب الأعمال الموصلة إليها، من التهاون في أداء الواجبات، والتجرؤ على اقتراف المحرَّمات، وإضاعة الأوقات فيما لا تحمد عقباه، وفي الصحيح: “اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر وأشد ما تجدون من الزمهرير”، قال ابنُ رجب رحمه الله: “واختلافُ أحوالِ الدّنيا من حرٍّ وبَرد وليلٍ ونهار وغَيرِ ذَلك يَدلّ على انقِضائِها وزَوالها” اهـ.
وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يعتبرون بتغير الفصول وتبدلها؛ قال أحد العُبّاد وَهوَ يَتَحدَّث عن تفَكُّر المؤمنين في تقلُّب اللّيل والنهار ومجيءِ الشِّتاء والصيفِ: “فوالله، ما زالَ المؤمِنون يتفكّرون فيما خلق لهم ربُّهم حتى أيقَنَت قلوبهم؛ حتى كأنما عبدوا الله عن رؤيتِه، وما رأى العارفون شيئًا من الدنيا إلاّ تذكّروا بِه مَا وَعَد الله به مِن جِنسه في الآخرة”، وكان بَعضُ السَّلف إذا رجَع من الجُمُعة في حرِّ الظهيرةِ يذكر انصرافَ الناسِ مِن موقف الحسابِ إلى الجنّة أو النار، فإنَّ السَّاعةَ تقوم يومَ الجمُعة، ولا يَنتَصِف ذلك النهار حتى يَقيل أهلُ الجنّة في الجنّة وأهلُ النّار في النار، ثم تلا: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً}.
إن كل ما في هذه الدنيا يُذكِّر الآخرة، فما فيها من نعيمٍ وراحةٍ يدلّ على كَرَم خالقِه وفضلِه وإحسانه وجودِه ولُطفِه، وما فيها مِن نِقمةٍ وشِدّة وعَذابٍ يَدلّ على شِدّة بأسِه عَزّ شَأنُه وعَظيمِ بَطشِه وقهرهِ وانتِقامِه، قال الحسن: “كانوا -يَعني الصحابةَ رضي الله عنهم- يقولون: الحمد لله الرفيق الذي إذا شاءَ جاءَ بِبردٍ يقَرقِفُ الناسَ -أي: يَرعَد الناسُ من البرد- وإذا شاء ذهَبَ بذلك وجاءَ بحرٍّ يأخذ بأنفاس الناس؛ ليعلمَ الناسُ أنَّ لهذا الخَلقِ ربًّا هو يحادِثُه بما تَرَونَ من الآيات، كذلك إذا شاءَ ذهَب بهذه الدّنيا وجاء بِالآخرةِ.
فإذا كان هذا هو حال السلف الكرام مع فصل الصيف واعتبارهم بآياته؛ فإن حال الخلف يختلف عن ذلك تماما؛ فما أن يقبل فصل الصيف حتى تنظف الشواطئ؛ وتعد النزل، وتمنح القروض الربوية؛ وتقام الحملات الإعلامية الواسعة لحشر الناس إلى المصطافات؛ وتتفنن المحلات التجارية في عرض آخر منتجات دور الأزياء والموضة، ويتجرد بعض الناس من لباس الحياء والحشمة والوقار، ليرتدوا لباس الوقاحة والتهتك والمجون؛ ضاربين بعرض الحائط كل القيم والأعراف والتقاليد، وكأن فصل الصيف مرحلة يرفع فيها التكليف، وتنعدم فيها الضوابط الشرعية والدينية.
نعم كلنا يقر أن من حق الإنسان أن يروح عن نفسه ويجمَّها بما تتقوى به على تحمل تكاليف الحياة؛ لكن أن يصبح الترويح عن النفس هو جلّ اهتمامات المجتمع؛ وفرصة للانفلات من التكاليف الشرعية والانغماس في المعاصي والموبقات؛ وتصبح شواطئنا الوطنية تعج -في هذا الفصل- بالجثث العارية والمناظر المخلة بالحياء يصعب معها التمييز بين المغربيات والغربيات؛ فهذا خروج بالترويح عن طبيعته ومقصده، واتجاه بالحياة إلى العبث والتطبيع مع الفاحشة.
لقد كانت الشواطئ في المغرب وإلى الأمس القريب في حدود سنة 1960م في منأى عن وباء الاختلاط والعري الفاحش، فمعظم شواطئ المملكة كان غير مختلط، إذ خصص جزء منها للرجال وآخر للنساء، أما اليوم فقد صارت الشواطئ مسرحا للتكشف والعري الفاحش؛ وفي ظل هذا الجو الموبوء استعصى على الأسرة المغربية المحافظة التي تسعى إلى تربية أبنائها وفق مبادئ دينها وهويتها أن تجد لها مكانا على هذه الشواطئ تروح به عن نفسها وتستعيد به نشاطها بعد عام جهيد.
وفي محاولة من الجريدة لتسليط الضوء على هذا الملف المهم والخطير على الفرد والأسرة والمجتمع؛ ارتأت فتح هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *