حقيقة العدوان على الأمة الإسلامية رشيد مومن الإدريسي

إن العداء للأمة الإسلامية لا علاقة له بحال معين، ولا بظرف ولا مكان، وإنما أساس ذلك الدين والاعتقاد، بخلاف ما يصوره أعداء الإسلام وجهلة أتباعه، وعلى خلاف ما يصوره الإعلام الغربي ومن يدور في فلكه بأنه صراع على الأرض والحدود، وأنه مشكلة اللاجئين، وأن هذا الصراع يمكن أن ينتهي بالتعايش السلمي، وتعويض اللاجئين وتحسين ظروفهم ومعيشتهم.. إلى غير ذلك.

فالحق الذي لا يخفى على البصير، ولا يغيب على كل ذي عينين أنه صراع عقيدة، وصراع ثقافة، وصراع حضارة، وصراع هوية، وصراع وجود، لا صراع أرض وحدود!!
ولذا قام هذا العداء من قديم، منذ أن قامت دولة الإسلام في المدينة النبوية بقيادة النبي عليه الصلاة والسلام.
أي نعم، ظهر هذا العدوان منذ الساعة الأولى للمسلمين حيث قام يهود بمعاداتهم وإيذائهم، ومعاداة النبي صلى الله عليه وسلم وإيذائه.
والآيات كثيرة في كتاب الله تعالى تكشف عن هذا الأمر وتبين حقيقة أعداء هذه الأمة ومكرهم وكيدهم وتربصهم بأمة الإسلام.
قال تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} البقرة120.
وقال سبحانه: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} المائدة82.
وقال تعالى: {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} آل عمران119.
هكذا حال أعداء هذه الأمة لا يتغير ولا يتبدل إلى وقتنا هذا تشابهت قلوبهم، واتحد سر عدائهم.
إلا أن واقع المسلمين اليوم أسوأ من أي واقع مر، حيث نهبت خيراتهم، وقطعت أوصالهم، وتداعت الأمم عليهم من كل حدب وصوب كتداعي الأكلة إلى قصعتها.
وما كان أعداء الأمة ليبلغوا ذلك منها حتى أعملوا معاول التخدير في عموم جسدها، حتى إذا سرى التخدير أصبحت الدولة الواحدة دويلات، والشعب شعوبا، والعرب أعرابا، وغدوا شيعا وأحزابا يأكل بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، والله المستعان.
قال تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال46.
فها هي أخبار غزة الأبية اليوم وإلى كتابة هذه الأسطر تحمل معها جراحات..وجراحات.. مذابح ومجازر وتقتيل وتشريد.. وقهر وظلم وتهديد .
لقد نفذ الطيران الحربي الصهيوني سلسلة من الغارات على قطاع غزة؛ الأمر الذي أحدث مجزرةً في القطاع ولا تزال الغارات مستمرة باستماتة، مما يتوقع معه ارتفاع عدد الجرحى والقتلى أكثر فأكثر..
ومع ذلك كله…فلا نسمع لدعاة ” التحرر” و”الإنسانية ” و”حقوق الإنسان” ركزا! إلا كلمات جوفاء هنا وهناك.. يموهون بها.. ويخاتلون.. ويخدعون بها.. ويكذبون..
وهم يعلمون أن أطماع الأعداء لا تقف عند إذلال شعب فلسطين وقتله وتشريده، وسلب أرضه، وإنما أطماعهم في الأمة الإسلامية كلها أن يلحقوهم بشعب فلسطين، وأن يسقوهم من الكأس نفسه.
ولله در القائل:
سيلحقون فلسطين بأندلس — ويعطفون عليها البيت والحرما.
وعموما العداء السافر والظلم الجائر للأمة الإسلامية بمختلف ألوانه وأشكاله وصوره على المنطقة العربية والإسلامية عقدي ديني، القصد منه نيل العدو لأطماعه وتحقيق أهدافه وجملة ذلك:
أولا: سلخ الأمة الإسلامية عن دينها وتغريبها، وتعبيدها لأمة الغرب.
ثانيا: تمزيق وحدة الأمة الإسلامية.
ثالثا: نهب خيراتها الكثيرة مادية كانت أم معنوية.
رابعا: إبقاء تفوق الصهاينة على الأمة الإسلامية عسكريا واقتصاديا وإعلاميا، وإضعاف شوكة المسلمين.
خامسا: تحقيق حلم اليهود بإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات.
لكن للأسف الشديد أن عموم المسلمين في غفلة عن هذا، مع تفريطهم فيما أمرهم الله به حتى صار حالهم لا يرضي صديقا، ولا يغيظ عدوا.
لقد فرقهم عدوهم، وألقى بينهم العداوة والبغضاء على الرغم من أن الله حذرهم والرسول عليه الصلاة والسلام بين لهم، فعلام يا أمة الإسلام هذا الخصام والفراق، وعلام هذا الخذلان والشقاق، وعلام هذا البعد عن السنة والوفاق؟!!
فالواجب العود الحميد إلى دين الرب المجيد، وأن يتحاكم الجميع إلى شرع الله تعالى، وأن يسعوا إلى الإعداد المادي والمعنوي، وتوحيد الراية تحت راية الدين المتين، والاهتداء بسيرة السلف الصالحين، مع الحذر من الركون إلى الظالمين كما قال رب العالمين: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} هود113.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره للآية: ” ..قال ابن جرير عن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا. وهذا القول حسن أي لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم {فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون} أي ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم ولا ناصر يخلصكم من عذابه”.
مع العلم أن النصر الذي يفرح به أهل الإيمان أصله التوبة والرجوع إلى دين الرحمن، ومتابعة سنة النبي العدنان عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} الحج40.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: “وظهور الكفار على المؤمنين أحيانا هو بسبب ذنوب المسلمين كيوم أحد، فإن تابوا انتصروا على الكفار وكانت العاقبة لهم كما قد جرى مثل هذا للمسلمين في عامة ملاحمهم مع الكفار، وهذا من آيات النبوة وأعلامها ودلائلها، فإن النبي إذا قاموا بعهوده ووصاياه نصرهم الله وأظهرهم على المخالفين له، فإذا ضيعوا عهوده ظهر أولئك عليهم، فمدار النصر والظهور مع متابعة النبي وجودا وعدما” الجواب الصحيح 6/415-416.
فمهما اشتد الظلام فإن الفجر سينبلج، ومهما نفش أعداء هذه الأمة ريشهم واستعلوا، فستكون الرفعة لأمة الإسلام -ولو بعد حين- لأنها موعودة بالنصر والتمكين.
لكن شرط ذلك أن ترجع الأمة إلى دينها كما ذكرناه كتابا وسنة، علما وعملا، اعتقادا وسلوكا، إعدادا وعدة..
مع حسن الظن بالله وصدق التوكل عليه سبحانه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: “وأما التوكل في نصرة دين الله، وإعلاء كلمته، وإظهار سنة رسوله، وجهاد أعدائه: فليس فيه علة، بل هو مزيل للعلل” مدارج السالكين3/480.
فاللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويعافى فيه أهل معصيتك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *