العلمانيون والزلزال

من شيم أهل الغفلة والجهل الإعراض عن آيات الله تعالى مطلقًا سواء القرآنية أو الآيات الكونية، قال تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ، مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنبياء:1-3] إذ إن انتفاعهم بالآيات معدوم.
﴿وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس:101].
ومن طبيعة العلمانيين التفسير المادي للأحداث والتاريخ والوقائع ﴿وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ﴾ [الطور:44] وليس هناك مجال -عندهم- لمفهوم الإيمان المقترن بالآية الكونية.
﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ﴾ [الأحقاف:24، 25].
ولما كانت نظرتهم إلى الحدث بهذه الصورة المادية البعيدة عن الإيمان كان علاجهم للمشكلة من هذه الزاوية أيضًا.
فبمجرد أن يحدث الزلزال يسارعون في إبعاد التحليل الشرعي الديني، ويتجهون للبحث عن خبراء اليابان والمراصد وأحزمة الزلازل في العالم -ونحن لا نقلل من شأن العلم الحديث- إذ إن المؤمن يتخذ الأسباب التي أودعها الله في كونه، ولكنه -أي المؤمن- لا يكتفي بالأسباب فقط، وإنما يتجه إلى خالق الأسباب مبدع الكون الذي إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون، فيطلب منه العون والمدد حتى لا يتشبه بولد نوح، لما قال له أبوه: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾ كان رده -أي الولد- احتياطات مادية أيضًا: ﴿قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: 43].
فهل نسى العلمانيون -أو تناسوا- بأن القشرة الأرضية تأتمر بأمر الله؟! قال تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: 11].
إذ كل ما في الكون طوع أمره جل وعلا خاضع لعظمته متذلل لجلاله ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ [الحج: 18].
أمرها فأطاعت؛ وأسجدها فسجدت؛ وأمسكها تؤدي دورها ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ﴾[فاطر: 41].
وانظر -أيها المؤمن- إلى قوم لوط مثلا؛ لما استباحوا الفاحشة وإيتان الرجال من دون النساء شهوة وترديًا في حمأة الرذيلة وانغمسوا في سكرة الهوى والشهوة، أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، وجعلهم عبرة لمن يعتبر: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾[هود: 82].
إن ما أصابنا من زلازل فإنما يدل على أن هذا جزاء ما اقترفت أيدينا من حل الربا والخمر وحرب على شريعة الإسلام واتخاذ آيات الله هزوًا، قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8) فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا﴾ [الطلاق: 8،9].
وجدير بالذكر أن المسلمين لهم نظرتهم الإيمانية إلى الأشياء والأحداث والتاريخ، إلا أن العلمانيين الذين أشربوا في قلوبهم حب الغرب زلزلوا حياة الأمة وشككوا العامة في إيمانهم وأبعدوا النظرة الشرعية المتوازنة التي تستفيد من المادي ولا تلغي الغيبي.
فهل من عودة صادقة إلى الله جل وعلا حتى يرفع عنا هذه الغمة كعودة قوم يونس: ﴿إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾[يونس: 98].
هل من عودة إلى شريعة الإسلام وأحكامه ونظرته إلى الحياة والناس والتاريخ تدفع عنا الخزي والعنت؟
هل من مجيب وهل من مدكر؟
د. الوصيف علي حزة
-بتصرف-

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *