بأي حال عدت يا صيف محمد اللويزة

مع إشراقة أول يوم من أيام الصيف وما أن ترمي الشمس بلهيبها الحار حتى تتوقف القلوب، وتقف الشعور، ولا تفتر ألسنة الخائفين من غضب الله عن قول اللهم سلم سلم، كيف لا وهذا الفصل الذي يعده كثير من المسلمين فترة التحرر والانطلاق بدون وازع إلى الملذات التي يختلط فيها المباح بالمحرم، فترمي النساء ما تبقى على أجسادهن من الثياب، وكلهن سرور بقدوم الصيف، وليت الحياة كلها صيف!
لأن غريرة التكشف صارت ميزة الكثير منهن فالظاهر أن نساء اليوم صار لهن عقدة مع الثياب، ونشأ لديهن كره عميق للتستر، والويل لفصول البرد والشتاء التي تمنعهن رغما عنهن من هواية التعري، وترى الشباب يهيم على وجهه، معاكسات وتحرش، ونشر للتهتك في كل مكان، ولما لا، ما دام الجو مهيأ لذلك، حيث الاختلاط والعري، وغض الطرف ممن أوكل إليهم السهر على حماية الأمن الأخلاقي للبلاد.
الصيف هو موسم خارج عن حركة الزمان عند الكثير، وكأنهم اخذوا عهدا عند الملائكة الكاتبين أن يغضوا عنهم الطرف في هذا الفصل حتى تنتهي المهرجانات وإسرافها، والشواطئ واختلاطها، والحفلات ومنكراتها..
هكذا يتصرف الناس في هذه الأيام رغبة في التخلص من نَصَب سنة من العمل، متذرعين بحرارة الشمس وقسوة الصيف ناسين أو جاهلين أن حرارة الصيف ما هي إلا نفس جهنم في هذا الفصل، يقول عليه الصلاة والسلام: “إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنْ الصَّلاَةِ”، وقال عليه الصلاة والسلام: “اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ فِي كُلِّ عَامٍ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ” الموطأ. ألا يعد هذا تذكيرا بحر جهنم وسمومها -الذي لا يقدر عليه جسد كائن كيف ما كان- فترعوِ النفوس وترجع عن غيها بدل التمادي في الباطل والتلذذ بشهوات الدنيا المحرمة، ألا ينبغي أن تتذكر تلك التي رمت بلباسها تأففا من حر الشمس أن نار جهنم أشد حرا، فتزيد في التستر بدل التهتك ولكن إذا عميت البصائر جنّت الحقائق عن الناظر، ولم يعد يرى بنور الله يوم استحوذ عليه الشيطان فأعماه.
لقد حلَّ الصيف فبرمج كثير من الناس لمعاصيهم بالزمان والمكان، أوقف بعضهم عجلة الطاعة حتى ينقضي وقت المرح ثم يعود، ولكن من يضمن له ذلك ولا سيما وأن الموت يأخذ على غرة، وأن الساعة تقوم بغتة وأن عذاب الله يأتي ضحى والناس يلعبون.
لقد حل الصيف وجاء معه الانتكاس يبسط رداءه على بعض الملتزمين ليلتحقوا بركب العابثين، فكم فقدنا من أخ وأخت كانوا على درب الطاعة سائرين، لم يتوفقوا في مواجهة سيل الانحراف الجارف، فباغتتهم الشهوات واللذات والملاهي من كل حدب وصوب، فاستسلموا تأثرا بالرعاع الذين يموجون مع الأهواء هنا وهناك.
ورغم كل هذه المغريات فلا زال هناك زمرة من العاملين لدار البقاء لا استهتار عندهم بالوقت، فكان الصيف عندهم فرصة لمزيد من الطاعة، فاشتغلوا بحفظ كتاب الله، والانخراط في الدورات العلمية والسهر على مجالسة الأهل والأبناء وتقويم سلوكاتهم وتصحيح مغالطاتهم.. دون حرمان النفس من اللذة المباحة، فبارك الله لهم وفيهم وثبتهم على طاعته.

همسة في أذن
فلا تأمنوا مكر الله أيها المسلمون فتجعلوا أيام صيفكم -كما باقي الأيام- لهوا ولعبا تاركين شرع الله وراء ظهوركم واعلموا أن الكرام الكاتبين لا يعرفون التوقف لحظة عن التدوين وقد أمروا بالكتابة فـ”لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون”.
إن الإنسان في أمسّ الحاجة لطاعة يلقى بها ربه، ولن يعرف قيمتها إلا يوم لقائه عند ذلك يفرح العاملون بموعود الله، ويندم اللاهون حين لا ينفعهم الندم.
قال عليه السلام: “مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُم” سنن الترمذي.
فإذا كانت حسرة على مجلس فكيف بأيام كلها عبث وإعراض عن ذكر الله وطاعته، والموفق من وفقه الله، وإلى حين يخرج الصيف فاللهم سلم سلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *