من صور بر الوالدين

أورد القرطبي رحمه الله في تفسيره على آيات بر الوالدين كلاما كثيرا مفاده‏:

‏1‏- أن الله أمرنا بعبادته وتوحيده‏،‏ وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك‏،‏ كما قرن شكرهما بشكره‏،‏ فقال‏:‏ “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً”‏ الإسراء،‏ وقال‏: “أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ” لقمان.‏
وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة‏،‏ التي هي أعظم دعائم الإسلام‏.
‏2‏- ومن البر بهما والإحسان إليهما ألا يتعرض لسبهما ولا يعقّهما.
3- وعقوق الوالدين: مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أن برهما موافقتهما على أغراضهما. وعلى هذا إذا أمرا -أو أحدهما- ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان المأمور به من قبيل المندوب.
4- إن البر متساوٍ عند بعض فقهاء الشافعية والمالكية، وبعض الفقهاء يرجح الأم على الأب، وإلى هذا ذهب الليث بن سعد والمحاسبي في كتابه “الرعاية”.
5- لا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد.
6- من الإحسان إليهما والبر بهما إذا لم يتعين الجهاد ألا يجاهد إلا بإذنهما.
7- ومن تمام البر صلة أهل ودّ الوالدين‏،‏ وكان صلى الله عليه وسلم يهدي لصدائقِ خديجة برا ووفاء لها‏،‏ وهي زوجته -رضي الله عنها-،‏ فما ظنك بالوالدين؟
‏8‏- وخص رب العزة حالة الكبر‏،‏ لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى البر لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر‏،‏ فألزم في هذه الحالة مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمَها من قبل‏، لأنهما في هذه قد صارا كلاًّ عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج إليه في صغره أن يليا منه، فلذلك خص هذه الحالة بالذكر.
‏9- ومن برهما والإحسان إليهما ألا يقول لهما ما يكون فيه أدنى تبرم‏،‏ يقول الحق تبارك وتعالى‏: “فَلاَ تَقُل لَهُمَا أُف” الإسراء‏،‏ وقوله “أف” للأبوين أردأ شيء‏‏ لأنه رفضهما رفض كفر النعمة‏، وجحد التربية‏،‏ ورد الوصية الإلهية‏.‏
‏10‏- أن يتلطف معهما بقول ليِّن لطيف كريم‏،‏ وأن يجعل نفسه مع أبويه في خير ذلة‏،‏ في أقواله وسكناته ونظره‏،‏ ولا يحد إليهما بصره‏،‏ فإن تلك نظرة الغاضب‏، وهذا من بر الوالدين.
‏11‏- ومن برهما الترحم عليهما والدعاء لهما‏،‏ وأن تَرحَمَهما كما رحماك‏،‏ وتترفق بهما كما رفقا بك‏،‏ إذ ربياك صغيرا‏،‏ جاهلا‏،‏ محتاجا‏،‏ فآثراك على نفسيهما‏،‏ وسهرا ليلهما‏،‏ وجاعا وأشبعاك‏،‏ وتعريا وكسواك‏،‏ فلا تجزهما إلا ببرهما وطاعتهما‏،‏ وحين يبلغان من الكبر الحد الذي كنت فيه من الصغر‏،‏ فعليك أن تلي منهما ما وليا منك‏، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم. اهـ (نظرة النعيم 3/768-769)‏.
وهكذا نرى أن بر الوالدين من كمال الإيمان وحسن الإسلام‏،‏ وهو الطريق الموصل إلى جنة الرحمن‏.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *