من يموِّل الأعمال السينمائية بالمغرب؟ محمد زاوي

تعتبر مسألة التمويل أهم نقطة يجب مناقشتها في كل مشروع، بما في ذلك الأعمال الفنية والسينمائية. فتصبح الأفلام السينمائية، والإنتاجات الفنية عموما، وعاءً لقناعات ومصالح المموِّل، أي قناةً لإخضاع الجمهور لمصالحه، ووسيلةً لـ”صناعة الرغبة”.

وعموما، بإمكاننا تقسيم المصالح التي تستجيب لها الأعمال السينمائية بالمغرب، إلى مصلحتين كبريين:

– الربح التجاري: فشركات الإنتاج والبث يبقى هاجسها محكوما بالربح، فتحقيق الربح جزء من قانون الرأسمال. ولذلك فهذه الشركات تشتغل على واجهتين: إثبات فعاليتها في التأثير الفكري، والتأثير وفق “سيكولوجية الجماهير”.

– التأثير الفكري: وهنا تحضر إرادات عديدة، أجنبية وداخلية، استعمارية ووطنية. الأولى، دخيلة خفية، تخترق المنظومة الفكرية والفنية المغربية “ما وراء حجاب”، تضغط بأساليب استعمارية تتجدد. والثانية أصيلة تتحرك على ضوء الإشكالية الوطنية، تحمي حصون الهوية، تدافع عن فكرة “السينما تحت يد الدولة لا فوقها”، وتدعو إلى تسخير المؤسسات -وزارة الثقافة/ قاعات السينما/ خشبات المسارح/ القنوات العمومية/ المركز السينمائي… الخ- لصالح المغاربة والدولة المغربية.

إن الإشكالية الوطنية تدفعنا بإلحاح إلى طرح السؤال التالي:

إلى أي حدّ يخدم تمويل الأعمال السينمائية مصالح المغاربة، مجتمعا ودولة؟

وجب، إذن، تحديد مصادر هذا التمويل أولا، قبل تقصي تجلياته في المنتوج السينمائي المغربي، وقبل تحديد طبيعة التناقض الناتج عنه في الساحة السينمائية المغربية.

نذكر، من مصادر هذا التمويل، خمسة مصادر أساسية:

  • تمويل وزارة الثقافة:

تركز أكثر على دعم الأعمال المسرحية، والسينمائية في ظروف استثنائية، كما حصل في ظروف “كوفيد-19”. وبالرغم من الجَلبة الجدالية التي يخلفها هذا الدعم، بين الفينة والأخرى، إلا أنه يبقى حبيس النقاش الاجتماعي الخاص بمصالح الأعيان من المحرومين من الدعم.

والمطلوب أن تفرض وزارة الثقافة نوعا من الرقابة على كل عمل فني أو ثقافي، بما في ذلك الأعمال السينمائية. فليس الفكر المغربي فكرا مستباحا لكل أحد، بل إن لهذا الفكر حصونا -من دين ولغة وقضايا وطنية- يجب حمايتها.

  • تمويل المركز السينمائي المغربي:

يبقى هو المموّل الرسمي الرئيسي للأعمال السينمائية، ومسؤوليته أن يلعب دورا مهما في توجيه الأعمال السينمائية أدبيا وماليا. يموّل الأعمال السينمائية المغربية من خلال “صندوق دعم الإنتاج السينمائي” (أحدث عام 1980)، وتتجلى أشكال دعمه للأعمال السينمائية المغربية في:

– التسبيقات على المداخيل لفائدة الأشرطة الطولية والقصيرة قبل وبعد الإنتاج تقدم من طرف شركات إنتاج الأفلام المغربية.

– مساهمة مالية في كتابة وإعادة كتابة سيناريوهات الأفلام الطويلة والقصيرة.

– منح جائزة للجودة بالنسبة للأفلام الطويلة والقصيرة التي استفادت من تسبيقات على المداخيل قبل الإنتاج. (موقع “المركز السينمائي المغربي).

كما يدعم المركز شركات الإنتاج الأجنبية التي تنتج أعمالا سينمائية وسمعية بصرية بالمغرب، وفق معايير (بموجب مرسوم)، أبرزها:

– تحديد مبلغ الدعم في 20 بالمئة من مجموع المصاريف المنجزة بالمغرب والمؤهلة للدعم دون احتساب الرسوم.

– نسبة المصاريف المؤهلة لا تفوق 90 بالمئة من الميزانية الإجمالية للإنتاج المستثمرة بالمغرب.

– ونسبتها لا تقل عن عشرة ملايين درهم.

– لا يتجاوز مبلغ الدعم الممنوح لكل إنتاج 18 مليون درهم.(الجريدة الرسمية/ 12 فبراير 2018)

3- تمويل شركات القنوات العمومية:

من خلال مبالغ الدعم التي تمنحها قنوات الإعلام العمومي لشركات الإنتاج، خاصة في فترات تزايد الطلب (رمضان). وتصرف شركات الإنتاج الممنوحة تلك المبالغ على نفقات السيناريو والديكور والتصوير والتشخيص، وكافة الأعمال الفنية والتقنية الضرورية لإنتاج فيلم سينمائي. وبطبيعة الحال، فإن كثيرا من تلك النفقات يبقى خاضعا لتقدير صاحب الفيلم، بل ومصالحه.

أما خطاب الفيلم السينمائي، أو السيتكوم أو المسلسل، فإنه يكون خاضعا لمصلحتين سبق ذكرهما: الربح التجاري والتأثير الفكري، وذلك شرط حصوله على الدعم.

  • تمويل مواقع وجرائد إلكترونية:

وهذه ظاهرة جديدة في الإعلام المغربي، انتقلت فيها المواقع من إنتاج الأفلام الوثائقية إلى إنتاج الأفلام السينمائية. وتبقى هذه التجربة معرضة للنقد، حاملة لبعض العيوب في أحشائها، لعل أبرز تلك العيوب:

– ضعف تقنيات التصوير والتجهيز.

– عدم الاختصاص السينمائي.

– الخضوع لأهواء أصحابها، لا للإشكالية المغربية.

  • تمويل غير مباشر:

وهذا تمويل خفي غير ظاهر، والانتباه إليه واجب. يدخل في الرأسمال الخاص بالمنتج أو المخرج، أو في الجوائز التي يحصل عليها من المهرجانات الدولية للسينما. بهذا يستغني صاحب الفيلم، مخرجا أو منتجا، عن الدعم المالي العمومي. فيكون حرا في تسريب أفكاره عبر وسائل الكاميرا والشاشة والمشهد والصورة… الخ، وكثيرا ما تكون أفكاره دخيلة، لولاها لما حصل على جوائز المهرجانات الدولية، بل لولاها لما حصل على الدعم.

كثيرا ما يُعجَب المغاربة بنماذج من المخرجين الجدد، وكثيرا ما يعتبرون جوائزهم مصدر فخر للمغاربة. إلا أن الحقيقة غير الجائزة، وغير النموذج الجديد للسينما المغربية. الحقيقة تكمن، في مصدر الجائزة الدولية، وقبله في الجهات الأجنبية التي تسعى إلى تصدير أزماتها الأخلاقية والفكرية للمجتمع المغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *