لماذا لا يستثمر المغرب في السينما الهادفة والسينما الثقافية؟ عبد الصمد إيشن

لم يعد من السهل الوصول لمصاف الدول المتقدمة دون النهضة بقطاع السينما وجعلها خادمة لقاطرة التنمية بصفة عامة. ناهيك عن رفع منسوب الاعتزاز بالانتماء لدى عموم الشعب، بإبداع أعمال سينمائية تصب في خدمة ثوابت الأمة المغربية الدينية والوطنية.

وفي هذا السياق يمكن طرح إشكالية السينما بالمغرب: واقعها وآفاق نجاحها إقليميا ودوليا. حيث يتم طرح الموضوع في كل المناسبات ولكن تتعدد الرؤى والمقاربات، كل حسب خلفيته الثقافية والسياسية. في حين كان على الجميع أن يضع نصب عينيه قبل الخوض في النقاش، ركائز نهضة هذا الوطن ومقوماته الحضارية من إسلام وملكية وامتداد تاريخي عربيا وإسلاميا.

ولكن قبل مناقشة نموذج السينما الذي نريد، لابد من طرح عوامل تفسخ وانحلال مشهدنا السينمائي بالمغرب.

ارتباط السينما المغربية بثقافة الهامش:

أغلب الأفلام والأعمال السينمائية المغربية التي أثارت الجدل من طرف العموم أو المختصين، هي أعمال نجدها تسلط الضوء على قضايا هامشية بالنسبة للشعب المغربي وطبيعة رهاناته الاستراتيجية والآنية (الهوية، الصحراء، التنمية،..).

أبرز هذه القضايا نجد الحريات الفردية والعري والشذوذ في شتى تلاوينه، والانحراف الأخلاقي وضرب القيم الجامعة، كلها “تيمات” فنية تشد اهتمام عدد من المخرجين لتجسيد نوع من السينما السطحية. ولما يخرج هؤلاء للدفاع عن أعمالهم، تجدهم يتذرعون بالغيرة على حرية الإبداع والصناعة السينمائية المُقارنة بباقي الدول الغربية. بل هناك من قال أن الغرض من طرح هذه المواضيع المحرجة هو معالجتها لدى المجتمع.

لكن السؤال المطروح كيف يمكن لرسالة فنية تشجع الإدمان عبر عدة مشاهد أن تحاربه، أو تحارب الدعارة أو القمار أو الشذوذ والانحراف. دون أن نستحضر في نقاشنا تجارب عالمية جد متميزة عالجت ما يسمى مواضيع “الطابو” دون التطبيع معها أو نشرها والتبشر بها.

ارتباط السينما بجوائز الأجنبي:

أيضا ما يثير الاهتمام في نقاش السينما بالمغرب، عامل الجوائز الأجنبية في عدد من المهرجانات التي أصبحت مواعيد للدعاية السياسية والثقافية لعدة دول واستراتيجيات تخريبية. فكيف لفيلم ممنوع من العرض بالمغرب أن يحظى بجوائز “لوكس” في الخارج. وكيف لأفلام يشهد القاصي والداني برداءتها فنيا وقيميا أن تتصدر “تراندات” مهرجانات عالمية.

القصة باختصار شديد، أن كل مخرج مغربي يفشل في مصالحة المغاربة مع هويتهم وثقافتهم وخصوصيتهم عبر السينما يلجأ إلى الأجنبي ليقتات من دعمه (بالطبع لا نعمم، لأن هناك مهرجانات عالمية محترمة بشهادة المختصين).

ارتباط السينما بالبروباغندا:

لا ينتبه عدد كبير من المغاربة لعنصر “العالمية” في عدة ظواهر سياسية واجتماعية وثقافية، لأنه ساد نوع من التحليل السطحي يعزل المغرب عن العالم كأن المغاربة ليسوا بشرا. المتتبع لمواضيع السينما العالمية اليوم، يجدها تبشر بنموذج في العيش وفي التدين وفي الاختيارات السياسية..، دون أن نطرح السؤال عن جدوى هذا التقارب أو حتى التطابق في بعض الأحيان بين الأفلام في عدة دول.

لنختصر على القارئ، لابد من التنبيه لعدة استراتيجيات سياسية بالدرجة الأولى تستهتدف تخريب خصوصية عدة دول وشعوب للتبشير بنوع من العولمة التي تستبطن “استغراب أو اغتراب” مخرب. والسينما تلعب دورا استثنائيا في هذا المجال إذ تكون واسطة بين السياسة والشعوب.

ارتباط السينما بالوطن وثوابت الأمة المغربية:

بعد الجرد الذي قمنا به أعلاه لعدد من إكراهات المجال السينمائي بالمغرب، يأتي الدور الآن على طبيعة النموذج المنشود في السينما المغربية. لابد أن يعتز المخرج والممثل والمنتج المغربي بخصوصية المغرب دولة وشعبا. مما يسمح لهم جميعا بالاستثمار في مواضيع سينمائية قادرة على خلق الفرجة والاستفادة والتنمية في نفس الوقت.

مثلا لا يمكن أن نشاهد مسلسل “قيامة أرطغل” دون الاستفادة والانبهار بتاريخ الأتراك، وبعملهم هذا يسوقون لخصوصية تركية في الحضارة والثقافة. فما المانع عندنا نحن المغاربة من خلق سينما محكومة بهذه الرهانات التي ستنعكس بقوة على سمعة السينما المغربية عربيا ودوليا، لأنه في نهاية المطاف الجودة والخصوصية هما العاملان الأساسيان في خلق الاشعاع لا السطحية والابتذال كما يسوق البعض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *