بعد سقوط النظامين التونسي والمصري تقرر بشكل قطعي أن الغرب يتخلى دوما عن حلفائه إذا ما تفجرت ضدهم براكين الغضب الشعبي ببلدانهم.
فهاتان الواقعتان التاريخيتان تعيدان إلى الأذهان سيرة حكام آخرين حظوا بدعم الولايات المتحدة والغرب قبل أن تتم التضحية بهم تحت ضغط الشعوب.
ويبرز في هذا الإطار شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي الذي حول بلاده منذ توليه الحكم عام 1949م إلى تابع مسلوب الإرادة للولايات المتحدة، ووظف كل إمكانيات إيران ومواردها في خدمة سياسة واشنطن وأهدافها الإقليمية والدولية قبل أن تتركه يواجه بمفرده مصير السقوط المحتوم.
فقد أغمضت كل الإدارات الأميركية التي تعامل معها الشاه عينيها عن ممارسات “شرطي الخليج” بحق شعبه طوال 38 عاما قضاها في السلطة، ووصف الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر إيران الشاه نهاية 1977 بأنها واحة أمان في محيط متلاطم الأمواج، لكنه تناسى بسرعة هذا الوصف عند اندلاع ثورة العمائم السوداء ضده، بل ذهب إلى حد إرسال موفد طالب بهلوي بالتخلي عن عرشه ومغادرة إيران.
وسدت الولايات المتحدة أبوابها في وجه حليفها السابق الذي لم يجد مكانا يعالج فيه من داء السرطان إلا في بنما، قبل أن يستضيفه الرئيس المصري الراحل أنور السادات في القاهرة حيث لفظ أنفاسه الأخيرة طريدا وحيدا.
ماركوس ونوريغا ونميري
ولم يختلف تصرف واشنطن مع الشاه عما فعلته مع الرئيس الفلبيني المخلوع فرديناند ماركوس الذي ساهمت في وصوله إلي السلطة عام 1965، وسعى ماركوس طوال سنوات حكمه لرد جميل واشنطن فجعل بلاده وكيلا لها بجنوب شرق آسيا وملأ الأراضي الفلبينية بالقواعد الأميركية.
ولم يشفع كل ذلك لماركوس عندما ثار الشعب ضده عام 1986 بقيادة كورازون أكينو، ليرضخ في النهاية لطلب السفير الأميركي في مانيلا آنذاك ستيفن بوزورث بمغادرة البلاد، وهرب مع زوجته إيميلدا إلى هايتي حيث مات هناك.
وفي عام 1986 رفضت الولايات المتحدة استقبال الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري على أراضيها ليكون لاجئا سياسيا بعد ثورة السودانيين عليه، وتناسى الأميركيون ما أسداه لهم نميري من خدمات لا سيما دفنه المزعوم لنفاياتهم النووية في بلاده، ومساعدته في ترحيل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى فلسطين المحتلة.
وتكرر نفس السيناريو الأميركي مع الرئيس البنمي الأسبق مانويل نوريغا -الذي يمضي الآن عقوبة السجن 19 عاما في السجون الفرنسية، بعد قضائه سنوات بالسجون الأميركية بتهمة اغتيال معارضين سياسيين- الذي حرضته الولايات المتحدة عام 1983 على القيام بانقلاب تخلص فيه من الرئيس عمر توريخوس الذي أنهى النفوذ الأميركي في بنما وأمم قناتها.
وغضت إدارة الرئيسين رونالد ريغان وجورج بوش الأب الطرف عن ضلوع نوريغا طوال فترة حكمه في تجارة المخدرات، لكن بوش الأب ما لبث أن أدرك أن حاكم بنما قد تحول إلى عبء على واشنطن فأرسل عام 1989 وحدة عسكرية أميركية اعتقلت نوريغا وجلبته إلى سجن أميركي.
مشرف وبن علي
وفي عام 2008 ترك الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الصغير أحد أبرز حلفائه وهو الرئيس الباكستاني برويز مشرف يسقط تحت وقع غليان الشارع الباكستاني، ليغادر مشرف السلطة دون أن يتحرك للأميركيين جفن؛ وهو الذي حول باكستان إلى مركز متقدم للولايات المتحدة في العمل العسكري والاستخباري في حربها على ما يسمى الإرهاب.
ولم تمض سوى فترة قصيرة على رحيل مشرف حتى تخلت أميركا عن صنو له هو الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي صاحب السجل الحافل في خدمتها داخل وخارج بلاده، وذكرت تقارير صحفية أن فرار الرئيس التونسي السابق جاء عقب إيعاز واشنطن لقائد الجيش رشيد عمار بترك بن علي يسقط.
وبين شاه إيران وبن علي تونس تخلى الأميركيون عن حكام حلفاء آخرين مغضوب عليهم شعبيا، من أبرزهم الشيلي أوغستو بنوشيه والكونغولي موبوتو سيسي سيكو والجورجي إدوارد شيفارنادزه والقيرغيزي عسكر أكاييف. (الجزيرة نت).
حسني مبارك
وها هي أميركا اليوم تعيد الكرَّة نفسها مع الرئيس المصري حسني مبارك؛ فبعد أن شاخ الرجل وفقد القبول والمصداقية من أفراد شعبه الذين عزلوه عن السلطة؛ تخلت عنه أمريكا وكأنه منديل ورقي؛ وهو ما دفع جون بولتون السفير الأمريكي السابق لدى الأمم المتحدة إلى مطالبة الإدارة الأمريكية الحالية بعدم التخلي عن الرئيس المصري حسني مبارك وكأنه “منديل كلينكس”، لأن ذلك سيضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة، والكيان الصهيوني والدول الحليفة للولايات المتحدة؛ مشددا على ضرورة إقامة حكم عسكري بعد رحيل مبارك حتى لا يصل الإسلاميون إلى سدة الحكم!!
وقد أفاد التحقيق الذي نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية بعنوان “مستقبل النظام المصري فيما بعد مبارك” واستطلعت الصحيفة من خلاله آراء عدد من الباحثين والشخصيات السياسية البارزة في الولايات المتحدة أن الولايات المتحدة تساند الديمقراطية من الناحية النظرية، لكن الدعوة إليها لا يعني تحقيقها، لأن التصويت الحر في مصر لن يؤدي سوى إلى وصول الإسلاميين إلى الحكم.
وبذلك نفهم أن الود والرضا والدعم والحماية المقدم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية لا يدوم؛ فلا اعتبار لديها للأخلاق في المجال السياسي، ولا شيء يعلو عندها فوق صوت المصلحة والمصلحة فقط.