متى سنثور على أنفسنا؟! ذ.أحمد اللويزة

جميل أن ينكر الناس الظلم وأن يقفوا في وجه الطغيان وأن يوقفوا الديكتاتورية عند حدها وأن يحولوا سواد واقعهم إلى بياض ناصع.
جميل أن يحارب الناس الفساد والجور والجبروت، وأن يكون الضعيف عندهم قويا حتى يأخذوا له الحق، وأن يكون القوي عندهم ضعيفا حتى يأخذوا منه الحق.
جميل أن يقول الناس: “كفى!” لكل ظالم وطاغ ومعتد وباغ، وأن يعملوا على أن تأخذ الحياة مجراها الطبيعي والفطري.
لكن هناك سؤال مهم ينبغي أن نطرحه الآن وبقوة، ألا وهو متى سنثور ضد أنفسنا؟
متى نزلزل كيان العادات والتقاليد والمنكرات التي استحكمت النفوس واستعبدت القلوب؟
متى نقول لا لطغيان النفس وجبروتها وتسلط الشهوات وبغيها؟
إن الظلم قبيح ولذلك حرمه الله على نفسه قبل أن يحرمه على خلقه، لكن أقبح الظلم أن يشرك الإنسان بربه ويصير عبدا لشهواته، ليس له كرامة مع نزواته ولا إرادة مع لذاته، تكبله ولا تعطيه الحرية التي تحقق العزة وتمنح الإنسان وسام التعقل والرزانة، وتبوؤه مكانة الإنسانية الحقة، وليست حرية الإباحية التي هي عين العبودية لغير الواحد المعبود بحق.
إننا نحتاج إلى ثورة ضد النفس والهوى والشيطان، فهي بداية الانعتاق والانطلاق نحو الغد الأفضل والمستقبل المشرق الذي وعد الله به المسلمين والذين لن يكتب لهم عز إلا بالإسلام ولا شيء غير الإسلام.
إن مشروع الأمة الإسلامية النهضوي أركانه التوحيد والاتباع، وجدرانه الحلال والحرام، وروحه الصدق والإخلاص، ولن تقوم قائمة ما لم توضع خطة للنهوض نحو الأفضل مراعية لكل هذه الأبعاد.
إن الظلم الذي تعانيه الشعوب الإسلامية إنما هو جزاء من جنس العمل؛ لأنه هو الظلم الذي نمارسه نحن بقدر متفاوت، ونفوسنا مهيأة له مع أول جلوس على كرسي إدارة أو قضاء أو أمن أو مسئولية.. إلا من رحم الله.
والظلم الذي نثور ضده نمارسه من أجل تزوير العدالة بدفع الرشاوى وشهادة الزور، نمارسه عند تحمل المسؤولية، نمارسه عند الشعور بنوع من القوة والاستعلاء، نمارسه عند الشعور بالغنى “كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى، أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى”؛ ولا داعي هنا للخوض في التفاصيل فلا تخفى، وليس يحجبها غربال الباطل.
ولنعلم أن ظلم ذوي السلطان إنما هو من ظلم الرعية لربها ونفسها وغيرها، ألم يقل العلماء “أعمالكم عمالكم” وورد فيما صح معناه ولم يصح سنده “كما تكونوا يول عليكم” ويقول الحبيب صلى الله عليه وسلم “وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ” (حديث حسن، الصحيحة).
إذن لنغير سلوكنا ولتبدأ الثورة من أنفسنا؛ فليثر المشرك على صنمه، والمبتدع على بدعته، والسكير على قنينته، والمدخن على سجارته، والزاني على نزواته، والمرابي على رباه، والمرتشي على رشاه، والعاق على عقوقه، والمطفف على تطفيفه، والمتبرجة السافرة على تبرجها وسفورها، والكذاب على كذبه، وكل مقصر في حق من حقوق الله على تقصيره، وكل أسير ذنب ومخالفة شرعية ينبغي أن يثور على ما استعبده من دون الله.
لأن التغيير الذي لا يمكن أن يحصل إلا بقدر من الله وإرادته فله الأمر من قبل ومن بعد، قد أوقفه من بيده تغير الأحوال على أمرين من أجل تحقيق كل ما يصبو إليه الناس اليوم من أمن وأمان ورخاء وعمارة الأرض بما ينفع، قال تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ“، ولا يتحقق هذا الموعود إلا بتحقيق الشرط الذي يتحمل فيه كل فرد المسؤولية بدء من نفسه كما قال تعالى: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ“، فإذا تغير الفرد تغيرت الجماعة، ولو حاسب كل شخص نفسه لارتفعت الغمة وصلح حال الأمة، وبَنَت مجدها على أساس متين وهدى من الله، وليس بالغوغائية أو بتغيير الوجوه يمكن لنا أن نغير الواقع جدريا. ولا ببعض الثوار الافتراضيين الذين يأكلون ويتمتعون ويؤججون نار الثورة من بعيد، كأحدهم نشرت له بعض المواقع مقالا مرفقا بصورة له يدخن فيها السيجار الكوبي يؤز الثائرين أزا، وينتظر مع غيره الفرصة للانقضاض على كعكة الوطن ليمارسوا ديكتاتوريتهم الخاصة، انتقاما من سنواتهم العجاف، ومسابقة للزمن، ولو اتقى هؤلاء ربهم في أنفسهم لما وصل الحال لما وصل إليه؛ ولكنه حب الرياسة ذاك الرياء الخفي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *