قال الإمام مالك: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة، لأن الله يقول: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً”.
توفي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وما ترك شيئا من الدين يقرب إلى الله تعالى إلا وبينه، ولا شيئا يبعدنا عنه إلا وحذرنا منه، ما ترك شيئاً مما يحتاجه الناس في عبادتهم ومعاملتهم وعيشهم إلا وبينه، قال تعالى: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً”.
روى البخاري ومسلم من حديث طارق بن شهاب قال: “قالت اليهود لعمر إنكم تقرؤن آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: وأي آية؟ قالوا: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي”، قال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله فيه، والساعة التي نزلت فيها، نزلت على رسول الله عشية يوم عرفة في يوم جمعة”.
وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم..”.
قال الذهبي: “كل ما أحدث بعد نزول هذه الآية فهو فضلة وزيادة وبدعة”.
وروى الطبراني من حديث أبي ذر قال: تركنا رسول الله وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علماً، فقال رسول الله: “ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم”.
وروى أبو خيثمة عن ابن مسعود قال: “اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة”.
قال الشوكاني: “فإذا كان قد أكمَل دينه قبل أن يقبضَ نبيه، فما هذا الرأي الذي أحدثه أهله بعد أن أكمل الله دينه، إن كان من الدين في اعتقادهم فهو لم يكمل عندهم إلا برأيهم، وهذا فيه رد للقرآن، وإن لم يكن من الدين فأي فائدة في الاشتغال بما ليس من الدين” (القول المفيد ص38).
إذا تقرر ذلك فكل من ابتدع في الدين بدعة ولو بقصد حسن فإن بدعته تعتبر طعناً وتكذيباً لدين الله عز وجل، لقوله تعالى: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً”.
إن المبتدع -شاء أم أبى- يقول بلسان حاله: إن الدين لم يكمل لأنه قد بقي عليه هذه الشعيرة التي ابتدعتها، قال إمامنا مالكا رحمه الله تعالى: “من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة، لأن الله يقول: “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ”، فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً”. (الاعتصام للشاطبي 1/111).
وإن المرء ليعجب من قوم يبتدعون في دين الله ما ليس منه، في مجالات العقيدة والعبادة من توسل وذبح ونذر واستغاثة بغير الله تعالى، وأذكار وصلوات مبتدعة، ويدعون مع ذلك كله أنهم محبون لرسوله صلى الله عليه وسلّم مقتفون لأثره، وأن من لم يوافقهم في بدعتهم وطريقتهم فهو مبغض لرسول الله ومعاد لأوليائه.
ورضي الله عن الإمام الحسن البصري حين قال: “زعم قومٌ أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية: “قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ”.
أهؤلاء هم المحبون لله المعظمون لأوامره المتبعون لنبيه صلى الله عليه وسلم؟
أم أولئك القوم الذين لا يحيدون قيد أنملة عن شريعته، ولا يقدمون على أي فعل حتى يتبين لهم الدليل الشرعي الصحيح على ذلك؟
أيهما أحق أن يكون معظماً ومحبّاً لله ورسوله؟
لا شك أنهم هم الذين إن سمعوا أوامر الله ورسوله قالوا: “سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”، ولم يحدثوا في دينه وشريعته طريقة ولا أذكارا ولا مواسم، ولم يدعوا من دون الله وليا من الإنس أو الجن، ولم يستغيثوا بصاحب قبر أو ضريح، ولم يذبحوا ولم ينذروا إلا له سبحانه.