في آخر حكم السلطان المولى الحسن ركز الفرنسيون على الأقاليم الشرقية الجنوبية وأخذوا يضعون لها المخططات، وبعد هذا صمموا على استعمال القوة ضد أهل توات وبما أن السلطان المولى الحسن هو المسؤول الأول كان عليه أن يبرهن لهم أنه غير مستعد للتنازل عن أحد من أبناء شعبه.
وأمام هذه التحديات كان على السلطان المولى الحسن أن يكاتب المسؤولين المغاربة في توات وعلى رأسهم القائد حسون وأخيه محمد عبد الرحمن وكما أورد المصدر المشار إليه، كانت الغاية هي الجواب على شكاية أهل توات من تصرفات الوزاني حين مر بكورارة فهاجمه المواطنون وقد كان جواب السلطان كما يلي بتاريخ 28 رمضان 1309 هـ 26-14 1890م.
إلى خدامنا قواد توات:
بلغ إلى علمنا الشريف أن العرب قاموا باعتداءات على قصور كورارة حينما عبروا هذه البلاد، واستحوذوا على ما وجدوا: نأمركم باتخاذ الحذر من هذه التصرفات والضرب على يد كل من يعمل على بث الفتنة… قاوموهم وحاربوهم كرجل واحد ليكفوا عن أعمالهم”.
وفي رسالة أخرى:
إلى خدامنا الأوفياء قبائل وسكان إقليم توات:
توصلنا بكتابكم الذي ينص على أن الحاج عبد السلام الوزاني وصل إليكم قادما من بلاد الشمال مع عشرة أشخاص ومائة فارس كان فيهم كثير من الفرنسيين المتنكرين وقافلة من 300 جمل تحمل مؤونتهم، وأنه أقام قرب قصر أولاد اسعيد وأنه كتب إلى السكان، وأن هؤلاء لم يجيبوا نظرا لتصرفاته الغير المعقولة وأنه وصل صمولة وعزم على الرجوع دون زيارة القصور الأخرى، وأن أي شخص لم يخرج لمقابلته نظرا لما نعرفه من أغراضه.
كانت كل هذه التحركات الجادة من السلطان والتي سيختمها بزيارة لإقليم تافيلالت حتى يثبت للفرنسيين وبالاتصال المباشر أنه لم ولن يسمح لهم بالاعتداء، وأن الأقاليم الصحراوية شرقا جزء لا يتجزأ من المغرب.
لكن المغرب الذي بقيت حدوده مغلقة طيلة خمسين سنة أمام الفرنسيين لولا أنه طعن من الخلف بأيدي المحميين من جهة، وبيد ثلة من الخونة يتقدمهم عبد الكريم بن سليمان الذي أنجز وبعمولة بخسة ما سمي بـ”بروتوكول ديلكاسيه وبن سليمان” في الوقت الذي لم يكن للسلطان المولى عبد العزيز الذي مات الوصي عليه وهو أقل معرفة بشؤون الدولة، ولم يتجاوز العشرين من عمره إلا بقليل، وكبير وزرائه ذي الميول الفرنسية خوفا وتطلعا، وهو محمد بن المفضل غبريط.
وما ورد في بروتوكول “ديلكاسيه” وبن سليمان المؤرخ ب 20/6/1901م والذي حققت به فرنسا في فترة وجيزة ما عجزت عن تحقيقه طيلة خمسين سنة من المحاولات بالحديد والنار، وكما شهد بذلك أيضا “ديلكاسيه”، فقد نصت المواد 1-3 على أن البروتوكول يهدف إلى تنفيذ وتفسير معاهدة 1845م، والمحافظة عليها، باستثناء النقط الواردة في المواد التالية، ولتسوية مشاكل الحدود في المنطقة الواقعة بين ثنية الساسي وفجيج، والتي أصبح بإمكان المخزن أن يقيم بها مراكز حراسة وجمارك في نهاية مناطق القبائل التي تشكل جزءا من الوطن والمواطنين.
وتعرضت المادة الرابعة لتسوية مسألة الأرض الواقعة بين زوزفانة وكير، والتي تلتقي في إكلي بحيث اعتبرت هذه الأرض المغربية محايدة تجنبا لمشاكل الاتصال بين أبناء الوطن الواحد، الذي جعل منهم البروتوكول (هذا مغربي) و(هذا غير مغربي).
أما المادة السادسة فقد تعرضت لوضع الأملاك التي يملكها الناس التابعون لأحدى الدولتين، كما أبيحت حرية التجارة في هذه المنطقة المحايدة، دون دفع أي رسوم، أما المادة التاسعة فقد تناولت ما سيحدث بين الرعيتين مستقبلا، وأن الحكومتين لن يحمّلا بعضهما المسؤولية، ولن يطالبا بأية غرامة نقدية.
هذا هو البروتوكول الذي وقعه عبد الكريم بن سليمان في غيبة عن المشروعية بل والذي سيؤكده كاباص محمد بعد؛ والذي قال عنه ديلكاسيه: “إنه اعتراف بشرعية وجود فرنسا في الواحات، ووادي زوزفانة، والساورة حيث سيمر الخط الحديدي، وأن فرنسا قد حصلت على هذه النتيجة دون أن تعطي بالمقابل أي تنازل عن المبادئ التي تمنعها من الحصول على هذه المنطقة على الحدود الآمنة المستقرة”.
وأكثر من هذا زاد ابن سليمان فأكد لديلكاسيه بمراسلة رسمية وبوصفه وزيرا للخارجية واعدا إياه أن كل ما يمكن أن يعقده لمنبهي مع برلين ولندن، وما يلتزم به مما يتعلق بالشؤون السياسية لا يتم إلا بموافقة فرنسا ويكفي هذا للدلالة على أن خيانة الحاشية السلطانية كان لها دور في تجزيئ المغرب وبعمولة بخسة، هذه التجزئة كانت لها أثار وخيمة على مستقبل البلد وحدوده التاريخية.