مؤتمر مدريد وأبعاده الاستعمارية

تقرر عقد المؤتمر حسب رغبة الإسبان الذين رحب ملكهم بذلك بتاريخ 15 جمادى الثانية 1297هـ الموافق 1880م وقرر أن يمثل المغرب فيه الحاج محمد بركاش، وعبد الكريم بريشة التطواني، ومكث المؤتمرون في اجتماعاتهم مدة ثمانية عشر يوما كما اتفقوا على ثمانية عشر فصلا قيل عنها معاهدة مدريد نذكر منها:
1ـ مشكل الحماية، فعلا تقرر عدم منحها للمغاربة بصورة غير قانونية ولا رسمية.
2ـ الاعتراف بملكية الأجانب للأراضي في المغرب شريطة الإذن من الحكومة المغربية (الفصل 11).
3ـ المتجنسون: حددت إقامة المتجنسين من المغاربة الذين يعودون إلى المغرب بجوازات أجنبية بنفس المدة التي قضوها في البلاد التي اعتنقوا جنسيتها ثم يختارون. (الفصل 15).
4ـ الضرائب وقد تقرر أن يدفعها الأجانب أو السماسرة على الفلاحة. (الفصل 12-13).
5ـ حرية العبادة.
ومهما يكن من هذه الضجة الكبيرة التي استمرت أكثر من سنتين وعرفت الكثير من اللجج، والتي قيل إن المغرب خرج منها بمكسب، فإنه في الواقع لم يخرج بغير تقرير ما كان قبل بمقتضى المعاهدات لو لم يركب بعض القناصل رؤوسهم، ويحاولوا تحقيق المكاسب بالطرق التي أقل ما يقال عنها أنها لصوصية حقيرة.
فالمغرب بحكم اعتراف سلطانه بتدويل مثل تلك المشاكل، أصبح مقيدا ولا قدرة له على حل مثلها، ما يعتبر من شؤونه الداخلية دون إذن من تلك الدول الثلاثة عشر، التي منها من لم يتنازل عن امتيازاته إلى أن استقل المغرب بعد فترة الحماية التي تحولت إلى استعمار مدة 44 سنة.
بل إن اتفاقية مدريد وإن كانت قد نصت على عدم التدخل في شؤون المغرب الذي كان عرضة للتمزيق باسم الحماية، فقد أصبحت الحماية وقد تحددت باثني عشر محمي لكل دولة، وكان لا حصر لها ما دامت معاهدة مدريد قد بقيت جامدة، واستمر ما كان على ما كان، لأن حكومة المغرب رغم كل ما بذله السلطان حول إصلاح الجيش بواسطة الضباط الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين والبلجيك والألمان، بل وبالأسلحة المتنوعة، التي كانت في حاجة إلى ذخيرة متنوعة كذلك، بقي عاجزا عن السهر على تنفيذ ولو ما ورد في تلك المعاهدة المشوهة النسج والتركيب، والتي اختلطت فيها لهجة اليهودي المغربي بلهجة النصراني اللبناني، والتي كانت وسيلة المستشرقين لتحركاتهم في بلاد الإسلام حتى تفسيرها لم يعد سهلا ولا قدرة لأحد عليه، سواء من الذين وضعوا عليها أختامهم وأسماءهم، أو من الذين تظلموا وحسبوا أنها وسائل رفع الظلم.
كان ممثل المغرب في مؤتمر مدريد هو الحاج محمد بركاش الذي كان بحق في المستوى كما شهدت بذلك الوثائق، لكن الواقع الذي أفقد الاتفاقية فعاليتها، أو بالأحرى فعالية بعض نصوصها، لم يكن ما اتصف به المغرب مما أشرنا إليه من ضعف وظلم وفساد وتنوع الضباط الأجانب في جيشه فحسب، بل كان إلى جانب ذلك التخطيط الأوربي الذي كان لم يتفق عليه بعد، والذي وضع لتقسيم الأقطار المختلفة إلى مستعمرات خرجت منها بريطانيا قبل ذلك بنصيب الأسد شرقا وغربا، وكان دهاقنتها يديرون الحبال وقتها على عنق مصر وزنجبار وبلاد أخرى، كما كانت فرنسا تقاتل في الجزائر ومدغشقر والفيتنام، ثم اتجهت إلى تونس التي كانت قد رصدت لاحتلالها غربا مبلغا قدر ب5.695.272 فرنك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *