آثار البـدع على المجتمع

لا شك أن للبدع آثارا تظهر في المجتمعات التي تُقر تلك البدع ولا تنكرها، وليست هذه الآثار تشمل المجتمع كله، بل تخص من يقرّ بالبدعة أو يعمل بها، أو يدعو إليها ويرغِّب الناس فيها، ..وتظهر هذه الآثار جليَّة على الأفراد المتلبسين بالبدع ومتبعيهم، وعدم نصيحتهم والإنكار عليهم ومحاربة بدعهم بالتي هي أقوم للتي هي أحسن، وبحسب ما نصت عليه الشريعة يجعل هذه الآثار تشمل المجتمع كله.

وهذه الآثار والظواهر منها ما يخص أفراد المبتدعين، ومنها ما يعم مجتمعهم، نذكر منها على سبيل الإيجاز:

– اتباع المتشابه
لأن المبتدع تفسد طبيعته، ويترك طريق الصواب إلى طريق الضلال، ويعرف ذلك من سيرتهم ومن منطقهم، قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}، فأول أثر لذلك:اتباع المتشابه، وقد نَّبه الله سبحانه وتعالى على ذلك بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}.
ومن أمثلة ذلك: استشهاد الخوارج على إبطال التحكيم بقوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ}.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: “فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم” (البخاري ومسلم).

– إماتة السنَّة
ومن الآثار الضارة للبدعة: إماتة السنَّة؛ لأنَّه ما ظهرت بدعة إلا وماتت سنة من السنن، لأن البدعة لا تظهر وتشيع إلا بعد تخلي الناس عن السنة الصحيحة، فظهور البدع علامة دالَّة على ترك السنة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ما أتى على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سنة، حتى تحيى البدع وتموت السنن) . (رواه الطبراني في الكبير والهيثمي في مجمع الزوائد).

الجدل
من الآثار المترتبة على الوقوع في البدع: الجدل بغير حق، والخصومات في الدين، وقد حذََّّر الله سبحانه وتعالى من ذلك بقوله عز وجل: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}، فقد نهى سبحانه وتعالى عن الفرقة والاختلاف، بعد مجيء البينات: الكتاب والسنة؛ حتى لا نكون كالأمم السابقة التي تفرقت واختلفت بسبب بدعهم وأهواءهم .وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال” (رواه مسلم في الصحيح ومالك في الموطأ).
وقال صلى الله عليه وسلم: (أبغض الرجال إلى الله الألد الخصِم) (البخاري ومسلم)، والألد الخصم:أي شديد الخصومة، واللدد: الخصومة الشديدة.

– اتباع الهوى
ومن آثار البدع: اتباع أهلها لأهوائهم وعدم التقيد بما شرع الله، ولاشك أن هذا عين الضلال، قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ}، وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ}، واتباع الهوى أمر باطن لا يظهر، ولكن يتبين بعرض أعمال صاحبه على الشرع، فعند عرضها على الشرع نرى أنها لا تمثل إلا هوى صاحبها، ولا تصدر إلا من مبتدع جاهل، يقول في الأمور بغير علم، وخاصة أمور الدين.

– مفارقة الجماعة
ومن آثار البدع: مفارقة أهلها الجماعة، وشق عصا الطاعة على جماعة المسلمين؛ لأنهم اعتمدوا على أهوائهم، ومن اتبع هواه خرج عن جادة الصواب، وقد حذَّر الله من ذلك بقوله عز وجل: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ}.
وقال صلى الله عليه وسلم: “افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة” (رواه أحمد وابن ماجة والترمذي).
وفي رواية: “كلها في النار، إلا واحدة: وهي الجماعة”.
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن وقوع الفرقة في أمته، وسبب هذا الافتراق وهو مخالفة أهل الأهواء الضالة ؛ كالقدرية، والخوارج، والروافض وأمثالهم؛ ما اتفق عليه أهل السنة والجماعة في أبواب العدل والتوحيد، والوعد والوعيد، والقدر والخير والشر، والإدارة والمشيئة، والرؤية والإدراك، وصفات الله عز وجل وأسمائه.. وغير ذلك، فسبب مفارقتهم لجماعة المسلمين هو إحداثهم للبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان.

– ضلال الناس
ومن آثار البدع: أن المبتدعة لا يقتصر ضلالهم على أنفسهم، وإنما يشيعونه بين الناس، ويدعون إليه قولاً وعملاً، بالحجة الباطلة والتأويل الزائغ والهوى المتسلط، فيتحملون إثمهم وإثم من عمل بهذه البدعة إلى يوم القيامة، قال تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ}.
والمبتدعة قد ألَّفُوا الفرق وجمعوا الجماعات، وساروا بهم في بدعهم بغير فهْم، فأول ما يظهر أهل البدع يكونون أفرادا، ثم بعد ذلك يتجمع الناس حولهم مفتونين بهم، مدافعين عن ضلالهم، مشيعين ذلك بين الناس، وليس ثمة دليل لديهم إلا اتباع الظن وما تهوى الأنفس، وتقليد أئمتهم. (البدع الحولية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *