حـقيـقـة مصطلح “الانفتاح”

مصطلح “الانفتاح” لم يرد في القرآن ولا في السنة، ولم يستعمله العلماء الراسخون في العلم، بل هو مصطلح تداولته الكتب العصرية والنشرات الصحفية دون تحديد دقيق لمعناه. ويتضمن معان غير صحيحة، وله إيحاءات ودلالات باطلة، يتبين ذلك من خلال ما يلي:

1- جذور المصطلح
جذور هذا المصطلح تعود إلى الفكر الغربي، فأصل مادة (فتح) في اللغة الإنجليزية هي (Open) وهي تأتي لأكثر من عشرين معنى بحسب تصريفاتها المتعددة، ومن المعاني الداخلة في مجال البحث ما يلي:
– منفتح، راغب في الاستماع لكل ما يعرض عليه، وفي تفهمه بروح سمحة.
– ينور العقل ويجعله منفتحاً للمعرفة.
– يصبح العقل متنوراً أو منفتحاً.
– يعبر عن أفكاره ومشاعره.
ومن المعاني الاصطلاحية للمادة (Open door) أي (الباب المفتوح) وهي: “سياسة قوامها حرية التجارة وإلغاء التعريفات الجمركية والسماح لمختلف الدول بالمتاجرة مع بلدٍ ما، على قدم المساواة”، و(Opening) معناه (تفتح)، و(Minded-open) أي: منفتح العقل أو ذو عقل، وتأتي بمعنى: “منفتح للحجج والأفكار الجديدة” (انظر المورد للبعلبكي مادة “open”).
ومن خلال ما تقدم نلاحظ أن هذا المصطلح مأخوذ من بيئة معينة لها ظروفها العقدية وصراعاتها الفكرية، والظاهر أن هذا المصطلح جاء بسبب الصراع بين الكنيسة والعلم عندما ظهرت الأفكار العلمية الجديدة ورفضها من قِبل رجال الدين النصارى، ولذا اعتُبِرَ الفكر الكنسي فكرا منغلقا، والفكر اللاديني الملحد منفتحا لاعتماده الكلي على العقل.

2- غموض المصطلح
يلاحظ في هذا المصطلح الغموض والضبابية، فالانفتاح اسم عام يطلق على أنواع متعددة يصدق عليها هذا الاسم مع كونها مختلفة في الموضوع، وهذا الغموض أدى إلى استعمال هذا المصطلح من اتجاهات متعددة لا تتفق فكرياً في كثير من القضايا.
فنجد من يستعمل الانفتاح الفكري ليصل إلى الإلحاد ويصف الدين بأنه انغلاق وتحجير على العقل، كما نجد من ينتقد الانفتاح بالصورة السابقة ويطلقه على الاستفادة من كل الثقافات بما لا يناقض الإسلام، ثم يختلف أصحاب هذا الاتجاه في تحديد ما يناقض الإسلام وما لا يناقضه!! وفي حدود الاستفادة وضوابطها.
ولهذا لابد من تحديد نوع الانفتاح المعين بذكر خصائصه، ثم الحكم عليه بالصواب أو الخطأ بميزان الكتاب والسنة، بميزان هويتنا الإسلامية، وهذا الغموض يدلُّ على أنَّ استعمال هذا المصطلح دون ضبطٍ خطأ منهجي، لأنه لا يكفي مجرد اسمه في تحديد المراد منه.
ولا بأس أن نشبه هذا المصطلح بمصطلحات علم الكلام التي قد يراد بها حق وقد يراد بها باطل، هذه المصطلحات التي حذر علماء أهل السنة من قبولها مطلقاً لاشتمالها على الباطل، كما حذروا من إنكارها وردها جملة لأنها قد يراد بها معنى صحيحاً، فيكون رداً لشيء من الحق، ومثل هذا النوع من الكلام المحتمل لا يصح استعماله لأن فيه لبس للحق بالباطل، وعلماء أهل السنة والجماعة لم ينكروا المصطلحات لأنها مصطلحات جديدة كما يظن بعضهم، بل لكونها تشتمل على معانٍ باطلة مناقضةً للقرآن والسنة.

3- الإيحاءات السلبية للمصطلح
هذا المصطلح يحمل إيحاء انهزامياً سلبياً في تصور الشريعة الإسلامية، فالانفتاح: مصدر الفعل الخماسي المزيد: انفتح، وكل فعل جاء على وزن “انفعل” فمصدره على وزن “انفعال”، وزيادة همزة الوصل والنون في أوله ترد لمعنى واحد هو المطاوعة، (انفتح انفتاحاً، وانكسر انكساراً، وانطلق انطلاقاً” (انظر التطبيق الصرفي ص:71، ودروس التصريف ص:76).
ودلالة كلمة (الانفتاح) توحي بوجود انغلاق قبله، ولهذا فمعناها “إزالة الانغلاق” فهو ضده (انظر: الصحاح ولسان العرب والقاموس المحيط مادة: فتح).
فإذا استعمل هذا المصطلح فإنه يقتضي وجود انغلاق ثم حصل الانفتاح، فمثلاً: من كان على منهج التقليد الأعمى ثم صار إلى الدليل فإنه يستعمل معه هذا المصطلح، أما من كان معتبراً للدليل فلا يليق استعمال هذا المصطلح معه لأنه ليس بمنغلق حتى نطالبه بالانفتاح. ومن يحرم ما أحل الله تعالى من الطيبات كرهبانية الصوفية، يطالب بالانفتاح بمعنى الخروج من انغلاق الرهبانية إلى سعة السنة التي تبيح الطيبات بإباحة الله تعالى لها.
أما من يستعمل هذا المصطلح لمطالبة عموم المسلمين به، أو اعتبار المسلمين الذين يطالبون بالإسلام في الحكم والاقتصاد والاجتماع والثقافة وكل شؤون ومناحي الحياة منغلقون لأنهم لم يتشربوا الفكر الغربي، فهو سوء ظن بالشريعة الإسلامية واتهام لها بالانغلاق، وهو كذلك انهزام أمام الفكر الغربي واعتباره انفتاحاً من الانغلاق، والحقيقة أنه خرج من انغلاق إلى انغلاق آخر.
ومن هنا تظهر الإيحاءات السلبية في استعمال هذا المصطلح فيما يتعلق بالإسلام والدين وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم وعلماء المسلمين، وعلى كل حال فالقاعدة الوسطية أننا لا ننفتح على كل شيء ولا ننغلق عن كل شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *