عرف دوغين بنظريات خاصة في المجال الجيوستراتيجي، لكن لا يلتفت الناس إلى أن لدوغين تحاليل وتصريحات خاصة بنظرته للعالم الإسلامي وتموقعه في الساحة الدولية، أيضا موقفه من الإسلام كدين وحضارة راسخة.
يؤكد دوغين على أن العالم الإسلامي لا يجب أن يرتهن للمواقف والحسابات الغربية التي لا ترى في العالم الإسلامي إلا مصدر ثروة وامتداد اقتصادي لا غير. ويفتح بعد ذلك (دوغين) الأفق لخلق قطب إسلامي مستقل بذاته في الساحة الدولية.
قطب معتد بإمكاناته الثقافية والسياسية والاقتصادية، ومساهم بحيوية في خلق نظام دولي متعدد الأقطاب، يثير حق الاستقلال عن استراتيجيات الاستعمار والاستعمار المضاد.
وفي هذا الصدد، النظرية السياسية الرابعة لدوغين على مجموعة أفكار محددة هي: ــ الاعتراف بقيم المجتمعات الأخرى بعيدا عن المركزية القيمية الغربية، أي الابتعاد عن نموذج الليبرالية الغربية التي تنفي كل تعدد ثقافي في العالم وتعتبر نفسها مصدرا لكل القيم السياسية والحقوقية.
ــ القبول بنظام دولي تعددي وأخلاقي، وهذا بالضبط ما سيجد فيه العالم الإسلامي فرصة للاستقلال على كل الأجندات الدولية التي تكبله في نهضته وتقدمه.
ــ تجسيد السيادة الجيوسياسية للقوى الأوراسية (العالم الإسلامي وروسيا والصين والهند) ضد القوى الأطلسية.
ــ العمل على تعزيز ماضي الشعوب وكبح الحداثة وإعادة الفرد المستلب الى الجماعة، وهو بالضبط ما يمكن تسميته بالمستقبل في الماضي، أي أن نمجد تراثنا وقيمنا التاريخية باعتبارها الاقتصاد اللامادي والرمزي الذي يعطي لكل أجيالنا هويته ومرجعه الثقافي.
ــ تصنيف النزعة الإمبراطورية المعاصرة إلى صنفين هما الإمبراطورية السلبية وتجسدها الطموحات الأمريكية ممثلة في العولمة وميثاقها الرأسمالي. أما النوع الثاني فهو الإمبراطورية الإيجابية التي يدعو لها دوغين وتقوم على الأسس الأربعة سابقة الذكر. وهنا بالضبط يطالب بفكرة القطب الإسلامي الذي سينقذ العالم من الأحادية القطبية ومن المشاريع الاستعمارية في كل الصور.
بهذا يكون دوغين قد قدم تحديا نظريا لأفكار كبرى في المواجهة مع الغرب وصراعه مع الشرق. إذ يقول دوغين أن فكرة وقيم الديمقرطية اليبرالية الغربية، وأن هوية الديمقراطية الغربية القائمة على الفرد لا تتلاءم وتنسجم مع ثقافات كالروسية والصينية والاسلامية المؤمنة وقائمة على فكرة الجماعة، عكس الفرد.
أطروحة دوغين تعني في صراعيتها الحضارية تراجع وانحسار الليبرالية الغربية، وإنتاج نظريات سياسية بديلة عن المشروع السياسي والفكري الليبرالي الذي عم العالم ونشر ثقافة الاستهلاك الغربي، واقتحم الثقافات المحلية وتدخل في الاقتصاد والتعليم والسينما والفن وفرض نمطا ثقافيا في شكل الحياة وأسلوبها على الطريقة الغربية.
لما شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجوما لاذعا على “الليبرالية الغربية”، وانتقد الدعوات الرامية لتعزيز حقوق الشواذ/المثليين والمتحولين جنسيا، في خطوة تهدف لـ”جمع المحافظين المتشددين حوله”. قائلا، إن البعض في الغرب يعتقدون أن “محو صفحات كاملة من تاريخهم، وعكس التمييز وجعله ضد الأغلبية لصالح الأقليات، يعتبر بمثابة تجديد للمجتمع”. أن “الصبي يمكن أن يصبح فتاة والعكس صحيح” بأنها فكرة “بشعة” وتقترب من كونها “جريمة ضد الإنسانية”. لم يكن (بوتين) إلا منفذا ومستفيدا من نظريات دوغين الأخلاقية التي يبشر بها العالم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.