إنهم لا يحاربون النقاب.. وإنما يحاربون مرجعية النقاب

الخلاف كما هو واضح مع الهوية الإسلامية لا مع النقاب أو المآذن أو غيرها من شعائر الإسلام وخصوصيَّاته، ويتأكَّد هذا أكثر وأكثر عندما يصل اعتراضهم على لعبة أطفال يجري تصنيعها مرتديةً الحجابَ؛ لما في ذلك من إشارة إلى شعيرة إسلامية حتى وإنْ جاء ذلك عَرَضاً دون قصدٍ من الصانع!

مسألة النقــاب فــي عيــون معارضــيه لا تقف عند منعه أو تشويه صورته، وإنما تتجاوز ذلك إلى الإلحاح الواضح على نشر كل ألوان التبرُّج وتوابعه من انفلاتٍ أخلاقيٍّ وغيره، فيصبح الناس وقد صارت المتبرِّجة نجمة مشهورة، في حين يجري التنفير من الطبيبة، والباحثة، والأستاذة الفاضلة لمجرد كونها ممن يرتدينَ النقاب.
فالمسألة هنا تتجاوز حدَّ الخلاف الفقهي في حكم النقاب، لتصبح دعوات منظَّمةً، متكررةً، إلى الانفلات، ثم يحاربون النقاب لضمان نجاح سعيهم إلى الانفلات دون عوائق، وهذا يُفسِّر الإصرار العجيب على تشويه صور بعض المشهورات ممن ارتدين النقاب ودافعن عنه ودَعَوْن إليه؛ بخلاف عشرات المنتقبات غير المشهورات، اللاتي لا يُؤَثِّرْن في توجُّه الناس أو لفت انتباههم إلى النقاب والفضيلة؛ وهذا التمييز في التصرُّف تجاه المشهورة وغير المشهورة يؤكِّد أيضاً صلة النقاب بقضية التميُّز والهوية، وأن المسألة ليست خلافاً مع عبادة خفية، أو سلوكٍ شخصيٍّ؛ وإنما خلافهم مع المظهر الإسلامي المُمَيِّز للهوية الإسلامية، مهما تنوَّعَتْ أغراضهم ودوافعهم.
وهذا يُعطي قضية النقاب بُعْداً آخر ينبغي أن لا يغيب عن أذهان المعالجين لقضيته؛ لأن الذي سيبدأ بالتنازل اليوم عن واجب أو مستحَبٍّ؛ سيتنازل غداً عن معلومٍ مِن الدين بالضرورة؛ لأن معارضة النقاب إنما هي مظهرٌ ومقدِّمة لمعارضة الهوية الإسلامية كلها، ولن تقف المسألة عند النقاب؛ لأنها ليست خلافاً مع النقاب؛ وإنما هي خلاف مع الإسلام بكل شعائره وأشكاله، وقد كان خلافهم قبل فترة قصيرةٍ مع اللحية أيضاً ثم هدأ هذا الخلاف كثيراً بعدما انتشرت اللحية في الأمم الأخرى بشكلٍ أو بآخر، وصار شكلها مألوفاً غير مختصٍّ بالمسلمين في نظر هؤلاء المعارضين، وبقي الخلاف مع النقاب المختصِّ بالمسلمين مستمرّاً، كما ثار الخلاف أيضاً مع الحجارة والجدران، عندما تشير هذه الحجارة إلى شيءٍ من شعائر الإسلام؛ فالخلاف ليس مع الطوب والجدران وإنما هو خلافٌ مع ما تشير إليه هذه الحجارة من المساجد في طول أوروبا وعرضها، أو مع المآذن كما حصل في سويسرا التي أجرت الاستفتاء على حظر المآذن، والحجارة هي الحجارة، تُبْنى بها الملاهي فلا تثور لهم ثائرة، فإذا بُنِيَتْ بها المآذن والمساجد ثارت الدنيا؛ لما تشير إليه حينئذٍ من الهوية الإسلامية.
فالخلاف -كما هو واضح- مع الهوية الإسلامية لا مع النقاب أو المآذن أو غيرها من شعائر الإسلام وخصوصيَّاته، ويتأكَّد هذا أكثر وأكثر عندما يصل اعتراضهم على لعبة أطفال يجري تصنيعها مرتديةً الحجابَ؛ لما في ذلك من إشارة إلى شعيرة إسلامية حتى وإنْ جاء ذلك عَرَضاً دون قصدٍ من الصانع! فما وجه الخلاف مع لعبة أطفال؟ وهل تملك لعبة الأطفال قوة يخشى منها هذا أو ذاك؟ لكن لـمَّا كانت المسألة تشير إلى شيء من شعائر الإسلام، ثارت الثائرة على لعبة الأطفال أيضاً، بل نشرت وسائل الإعلام أنَّ بعض الدول سنَّت التشريعات الصارمة في وجه هذه اللعبة.
وهذه الوقائع جميعها لا يسع أحدا التعامي عنها وهو يتناول ظاهرة التطاول على النقاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *