حوار مع الدكتور موسى الشامي* حاوره: نبيل غزال

الدكتور موسى الشامي: ليست هناك إرادة سياسية حازمة لجعل اللغة العربية لغة دستورية في الواقع المعيش

ما أقدم عليه السيد رشيد بلمختار، يمكن أن نجد له تفسيرات عدة، منها أنه ينفذ تعليمات الحكومة العميقة التي تسير شؤون البلاد بمفردها. والدليل على هذا أنه لا أحد في حكومة الحزب الحاكم الإسلامي، الداعم ظاهريا للغة العربية تعرض للموضوع، وحتى البرلمان والأحزاب والنقابات ظلت صامتة… إنه العبث، لكن هذا لن ينال من اللغة العربية الصامدة شيئا…

1- حدد دستور 2011 في فصله الخامس أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة؛ لكن رغم ذلك نجد العديد من مؤسسات الدولة نفسها لا تعتمد العربية في الإعلانات والتواصل والتدريس؛ وأكثر من هذا فقد وقَّع في الأيام القليلة الماضية وزير التربية والتعليم اتفاقية مع فرنسا من أجل اعتماد “البكالوريا الفرنسية”، فكيف تفسرون هذه الوضعية؟
هذا ليس جديدا.. هكذا عاش المغرب منذ الاستقلال. الهيمنة الفرنسية كانت دائما حاضرة في الفضاء الاجتماعي المغربي وهي بلا ريب تريد محو جميع لغاتنا الوطنية للهيمنة فكريا وثقافيا وربما حتى ترابيا على المغرب من جديد.. إلا أن هذه الهيمنة اللغوية الفرانكفونية أخذت أبعادا خطيرة في السنوات الأخيرة لأسباب قد يطول استعراضها هنا..
يكفي القول بعجالة إن المصائب اللغوية التي يعيشها المغرب اليوم مصدرها نابع من بداية الاستقلال وقد لعبت فيها ما سمي بـ”الحركة الوطنية” دورا خطيرا… ذلك أن الاستقلال الذي حصل عليه المغرب سنة 1956 كان مغشوشا لأنه أبقى على تواجد المدرسة الفرنسية أو ما سمي بمدارس البعثة الفرنسية بيننا، بل إن هذه المدرسة فتحت الباب على مصراعيه لعدد هائل من أبناء الحركة “الوطنية” التي هجرت التعليم العمومي المغربي وفضلت لذريتها التعليم المفرنس حيث لا مكان لتدريس اللغة العربية فيها… أية وطنية هذه؟
لو أن الحركة الوطنية كانت منسجمة مع الأفكار التي كانت تنادي بها كضرورة إعادة الاعتبار للغة العربية وتوحيد التعليم لما قبلت أن توجه أبناءها للمدرسة الفرنسية، بل لما كانت ستقبل تواجد هذه المدرسة على أرض المغرب المستقل…
يبدو لي أن الحركة الوطنية “ناضلت” من أجل استقلال المغرب لتستفيد هي من هذا الاستقلال. وما نشاهده اليوم بالمغرب من هجوم شرس على اللغة العربية نابع في مجمله من أبناء الحركة الوطنية المتفرنسين لأنهم هم الذين ورثوا السلطة عن آبائهم، ونابع كذلك من السياسة التي انتهجتها هذه الحركة في الإبقاء على المدرسة الفرنسية وتفضيلها على التعليم العمومي المغربي.
هذا هو المشكل الحقيقي؛ ويكمن في تواجد تعليم مفرنس عندنا يفضله الميسورون في البلاد تاركين التعليم العمومي لأبناء الشعب الكادح… أما ما أقدم عليه السيد رشيد بلمختار، فيمكن أن نجد له تفسيرات عدة، منها أنه ينفذ تعليمات الحكومة العميقة التي تسير شؤون البلاد بمفردها. والدليل على هذا أنه لا أحد في حكومة الحزب الحاكم الإسلامي، الداعم ظاهريا للغة العربية تعرض للموضوع، وحتى البرلمان والأحزاب والنقابات ظلت صامتة… إنه العبث، لكن هذا لن ينال من اللغة العربية الصامدة شيئا…

2- نص دستور 2011 أيضا أنه سيُحدَث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، لكن وبعد مرور أزيد من سنتين ونصف لم ير المجلس النور بعد، فما سبب كل هذا التأخير؟
هذا السؤال يجب أن يوجه للسيد رئيس الحكومة الذي يتكلم كثيرا في أمور تافهة ويترك لب الأشياء، والواقع أن هناك مشاكل في إحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، خصوصا فيما يتعلق بالأمازيغية، ماذا نعني بالضبط بـ”اللغة الأمازيغية”، كل أمازيغي في المغرب يفهم أن اللغة الأمازيغية (هكذا بصيغة المفرد) المدسترة هي اللغة التي يتكلمها في وسطه. بالنسبة لساكني سوس والنواحي، فالسوسية هي اللغة المدسترة وبالنسبة لسكان الأطلس، فإن الأطلسية هي اللغة المدسترة، وبالنسبة لسكان منطقة الريف، فإن الريفية هي اللغة المدسترة، وبالنسبة للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فإن اللغة المدسترة بالدرجة الأولى هي التي يصنعها في مختبراته وهي ليست لغة أمّاً لأي أحد، هناك خلط في الأذهان بخصوص هذه المسألة، كيف تريدون، والحالة هذه، إحداث مجلس وطني للغات والرؤية غير واضحة؟
وربما كان سبب هذا التقاعس يكمن في أن الدولة تريد الانغماس في الفرانكفونية، وخطوة بلمختار وما نلاحظه من نشر الفرنسية في المشهد الاجتماعي المغربي، يدل على هذا، وما ورد في الدستور من دسترة اللغتين هو للاستهلاك ليس إلا، لكن هذا التلاعب على الشعب المغربي لن يمر هكذا بهذه السهولة، إنه اللعب بالنار والشعوب لا يمكن أن تقبل مثل هذا الاضطهاد في هويتها.

3- رغم كل الجهود المبذولة والخطط الموضوعة في هذا المجال تبقى وضعية اللغة العربية في الحياة العامة تعاني من العديد من الاختلالات والمشاكل العويصة، فهل هذا الوضع يعزى إلى سيطرة التيار الفرانكفوني وحده؛ أم هناك أسباب أخرى وراء تكريس هذه الوضعية؟
ليست هناك إرادة سياسية حازمة لجعل اللغة العربية لغة دستورية في الواقع المعيش. طبعا هناك النظرة التحقيرية التي يبديها بعض المسؤولين للغة العربية، لكن هؤلاء قد يكونون معذورين لأن تكوينهم مفرنس ولا يفهمون اللغة العربية والإنسان عدو لما يجهل، جلالة الملك حفظه الله يخطب باللغة العربية الفصيحة عندما يتوجه إلى شعبه.
وفي هذا إشارة قوية كان لزاما أن تجعل التيار الفرانكفوني في المغرب يتراجع عن هجوماته المتكررة على اللغة العربية أو على الأقل أن يخجل من نفسه وأن يحترم اللغة العربية، أي بند مهم في الدستور المغربي، في جميع الفضاءات التي تهم المجتمع المغربي.
صراحة كنا نأمل أن يبذل رئيس الحكومة السيد بنكيران بعض الجهد لرد الاعتبار للغة العربية كما كان يعد بذلك قبل تعيينه كرئيس للحكومة، لكن يبدو أنه هو وحزبه تناقضا مع ما كانا يعبران عنه عندما كانا في المعارضة…
الآن، نلاحظ مع كامل الأسف أن السيد بن كيران يشجع على الميوعة اللغوية عندما يقحم بعض الكلمات الفرنسية وهو يتحدث بالعربية وكأن هذه الكلمات لا وجود لها في اللغة العربية الفصيحة، أو عندما يأخذ الكلمة للتحدث باللغة الفرنسية وهو بهذا يهين الدستور المغربي.
هناك مثقفون كثر ضد هذا الوضع المخزي التي يراد أن تظل عليه اللغة العربية، وهناك والحمد لله بعض المنظمات المجتمعية التي بدأت تظهر في الساحة هدفها حماية اللغة العربية بجميع الطرق المشروعة المتاحة. وما دام الأمر هكذا، فلا خوف على اللغة العربية…
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس الجمعية المغربية للدفاع عن اللغة العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *