1-بأي منظور؟
يدعو تيار واسع في المجتمع المغربي إلى “إرجاع الاعتبار للشريعة الإسلامية”، منهم سلفيون وإسلاميون وفقهاء وحتى فئات من عامة الناس، تختلف تكتيكاتهم وآراؤهم بخصوص قضايا آنية يمنون النفس جميعا بواقع تبسط فيه الشريعة حكمها، يطالبون جميعا بالإبقاء على ما بقي من أحكام تعتبر أو تراعى في التشريع.
يخاطبون بالشريعة، عقيدة وفقها وسلوكا، الأفراد والمجتمع والدولة. يخاطبون الأفراد بالاستقامة، المجتمع بامتلاك حصانة إسلامية على النقيض من كل انحراف أو شذوذ دخيل، الدولة بمراعاة الشريعة في التشريع وسياسة أحوال الناس.
هل لهذه الدعوة من اعتبار؟
لها اعتبار من حيث أنها تُحَكّم في الأرض خطاب السماء، ولها اعتبار من حيث أنها تَمسّك بالخصوصية في زمن التشبث بالخصوصيات والاحتماء بها، ولها اعتبار من حيث أنها ذات أساس في الدستور أسمى قانون في الدولة. وحتى تكون الدعوة صادقة، وجب تخليصها لله، ثم للوطن، لا لمصالح الأجنبي تحت قناع من “العالمية” وهي عولمية ليس إلا. وجب، إذن، الحذر من هدمٍ للشريعة، لأسسها ومقاصدها، بأمر من تأويلات أجنبية، وافدة تخترق خصوصية علاقة المغاربة بالشريعة.
2-مجال الفقهاء
يختص الفقهاء بتحديد ما هو من الشريعة وما ليس منها. العنصر الأول عندهم ثابت، والثاني عندهم مرن ومتغير. الأصل في الأول: أحكام ثابتة بنصوص قطعية ومعلوم من الدين بالضرورة ومبادئ شرعية عامة؛ والأصل في الثاني دخوله في “منطقة العفو” أو ما يسمى “منطقة الفراغ التشريعي”. (سعد الدين العثماني، في الفقه الدعوي: مساهمة في التأصيل).
يطالَب الفقهاء بلزوم اختصاصاتهم؛ فيما يمد آخرون، وقد يكونون بلا اختصاص لا في الدين ولا في غيره، أيديهم إلى الفقه وكأنه مجال لكل أحد يبدي فيه رأيه بهواه. وواجب الفقهاء، في دولة الإسلام دينها الرسمي، أن يوقعوا عن رب العالمين ويترجموا عنه في كل القضايا التي لهم فيها اختصاص. فالقراء أمناء على حفظ الضروريات الخمس (الدين والنفس والعقل والنسل والمال)، وبالأصل على حفظ الوسائل المؤدية إليها وهي الأحكام يستنبطونها من الأدلة التفصيلية.
فإذا تعلق الأمر بالجنس أو الأسرة أو القمار أو المخدرات أو الخمور، وإذا تعلق بقضايا الوطن والأمة، بالنظر في شؤون الدنيا والدين؛ كلها للفقيه فيها نصيب. يعطي فيها حكمه لا يحول بينه وبينه اختصاص، أو بواسطة إذا احتاج إلى غيره من ذوي الاختصاصات الأخرى.
3-الفقهاء وباقي القطاعات
هل للفقهاء في كل قضية قول؟
لو كان الأمر كذلك لما احتاج الفقهاء إلى تحقيق المناط في القضايا التي يجهلونها. فلا قدرة لهم للإفتاء في كل القضايا، خاصة إذا تعلق الأمر بالمعاملات المعقدة (كشؤون المالية والتجارة)، وبالاقتصاد والاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية والظواهر الاجتماعية والبيولوجية العصية على الفقيه، إلخ.
فليس للفقيه في هذه الحالة إلا أحد خيارين: معرفة كل تلك التخصصات والتخصص فيها وهو نادر على الفقيه مستعص، أو الاعتماد على آخرين كل في تخصصه يبني الفقيه أقواله على إشاراتهم.
4-الشريعة والقانون الوضعي.. تمييز في المجال
لسنا في مجتمعات فقهية لنحكّم الفقه وحده، الفقهاء أنفسهم اعترفوا بمجال القانون وحيزه، قبلوه من باب مقصد النظام والاستقرار وحفظ الضروريات الخمس من وجه ما؛ إلا أن مجال القانون لا يلغي مجال الشريعة. ودور الفقيه في كل ذلك، لا يجب الحفاظ عليه كما هو فحسب، بل وجب تقويته ودعمه وتوسيع حيزه في ظل التقاطب الحاصل بين فئتين، فئة تدافع عن الخصوصية المغربية وأخرى ترفع شعار عَلمنة القانون، بل تطالب بعولمته وإخضاعه للتوصيات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
يتدخل الفقهاء في القانون، أو وجب أن يتدخلوا فيه، من باب الرقابة عليه أصلا ومقصدا. من حيث الأصل، هل راعى القانون أحكام الشريعة؟ ومن حيث المقصد، هل حقق مقاصدها وغاياتها وأسرارها؟ ومن القوانين ما يشمله حكم الجزئي، ومنها ما يشمله حكم كلي، وقد تشملها المقاصد دون أن تشملها أحكام جزئية.
وللفقيه على القانون رقابة، يجب أن تتأكد وتتعزز، رقابة قبلية تسبق التشريع، وأخرى بعدية تليه لترى مدى مطابقته لأحكام الشريعة ومقاصدها. في كل التشريعات يجب أن ينتبه الفقيه، أن يسبقها باستشارة ويراجعها بعد إصدار. وفي التشريعات ذات العلاقة المباشرة بالشريعة، كمدونة الأسرة، تصبح مهمته أكبر.
5-امتدادات الشريعة
للفقيه وجود في كل مساحة تطلب حكم الشرع:
– في الإعلام: يدعو إلى إعداد برامج للتربية والتوعية، لتعليق الناس بقضايا دينهم وأحكام شريعتهم؛ يشارك في إعداد بعضها ومراجعته إذا تسنى له ذلك أو تفرّغ له. ويتناول بالنقد كل محتوى إعلامي يفسد أخلاق الناس وفطرتهم، ويردّ كل استهداف للدين والتدين من بوابة الإعلام.
– في الثقافة: ينشر الكتب النافعة ويعرف بها، يشيع قيم العلم والمعرفة، ويدعو إلى حوار فكري كما يدخل صراعا فكريا أو ثقافيا للدفاع عن ثوابت الإسلام على النقيض ممن يستهدفها.
– في المدرسة: يقترح بعض المضامين الدراسية، وينتبه للصادر من المقررات لعله يجد فيها ما يخالف الشريعة فيستنكره، أو يوافقها فيبرزه للناس.
– في الفن: يستنبط حكم الشريعة في كل فن من الفنون، ثم يسعى إلى تحصينها بمبادئ وأخلاق الدين، وقد يساهم في صياغة بعض مضامينها في أشعار أو روايات أو سيناريوهات، أو لعله يوجه من له خبرة بهذه الأجناس.
– في الاقتصاد: يرفض الظلم ويرفع الحيف، يقرر حكم الإسلام بتحريم الملكية الاستغلالية، يقول بتحريم التبذير والاستهلاك الفاحش وتهريب الأموال والتهرب الضريبي وغصب حقوق العمال.