من أهم وسائل الصحة الجنسية بعد تقوى الله تعالى، والأخذ بسنة النكاح: تربية الأبناء على أدب الاستعفاف الجنسي الذي يُعدُّ أسَّ الفضائل الخلقية؛ وذلك لضرورته الإنسانية من جهة صلته المباشرة بجانب اللذة الجسدية، حيث يضبط دوافع الشهوات المختلفة بين درجتي الشره المُفرط، والجمود المُفسد، وفي هذا يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم مُحذراً الشباب: (إن مما أخشى عليكم شهوات الغيِّ في بطونكم وفروجكم ، ومضلات الفتن) رواه أحمد في مسنده، قال الهيثمي (7/305) رجاله رجال الصحيح.
ولما كانت الشهوة الجنسية عند الشباب أعنف شهواتهم الحسِّية، وأخطرها على انتظام حياتهم الاجتماعية: فإن بعث خلق العفة في سلوكهم الجنسي من أوجب وأهم حاجاتهم التربوية، لكونها ملكة خلقية تعصم من الفواحش الجنسية، خاصة في هذا العصر الذي زاد فيه الاحتكاك الجسدي بين الجنسين بصورة واسعة ومستمرة، حتى إنه لا يُبعد في ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية القاسية: أن ترْتمي -رغم أنفها- على صدر شاب في حافلة مزدحمة، ثم يُطالب الإثنان بسلوك الرهبان، فأيُّ قدْر من العفَّة هذا الذي يحتاج إليه الشباب من الجنسين في مثل هذه الظروف الاجتماعية المثيرة؟
ومع أن العفة الجنسية خُلُق يُطالب به الجنسان، إلا أنه في حق الإناث آكد، ولطبيعة دورهن أوجب من جهة حراسة النسب، فهن من هذه الجهة مؤتمنات على فروجهن، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم مشدداً عليهن في هذا الشأن: (أيُّما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته..)؛ وذلك لكونها تدخل على الأسرة من يتطلع على عورات أهلها، ويُشْركهم في أموالهم بغير حق، إلى جانب ما يلحق الأسرة عند الافتضاح من العار والشنار.
وما زالت المجتمعات الإنسانية بوجه عام تُعظِّم -بصورة ما- شأن العفة في الإناث، وتُطالبهن بها أكثر بكثير مما تطْلُبه، وتشدد عليه في أمر الذكور؛ ولهذا تعاقب بعض القوانين على خطف الأنثى أشد من معاقبتها على خطف الذكور.
وفي المجتمع الأمريكي تُدان المرأة المدمنة أكثر مما يدان الرجل المدمن، ودائماً المجتمع أكثر تسامحاً إزاء مخالفات الذكور عن مخالفات الإناث، وفي هذا الشأن يقول يزيد بن ميسرة: “المرأة الفاجرة كألف فاجر”؛ ولهذا خُصَّت الإناث من بنات آدم بغشاء البكارة دون سائر الخلق؛ ليكون دليلاً على العفة والعذرية، ووسيلة مُعينة للإناث على التعفف، فهنَّ -دائماً- بالفطرة أقرب في العموم إلى معاني الشرف والفضيلة من الذكور، ولا يُعرف فيهنَّ الانحراف الجنسي إلا في الوقت الذي يفقدن فيه أصول القيم الخلقية، ويتنكَّرن للآداب الاجتماعية، فعندها تُسيطر الغريزة، فلا يقف في سبيل إشباع نهمتها، وقوة اندفاعها حائلٌ من رغبة أو رهبة، ولو حِيكَت منافذ فروجهن بالأوتار القاسية، أو شُدَّت عليها أحزمة العفة المُحكمة، ما لم تكن العفة خُلُقاً أصيلاً ينبعث من داخل نفوسهن؛ فإن الأخلاق لا تُسمى أخلاقاً بمجرد التلبُّس بها، حتى تتشرب بها النفس، وتكون سجية طبيعية لها، والعفة ليست جوهراً من جواهر النفس، بمعنى أنها جزء من الذات، وإنما هي لون من ألوانها، وشرط ضروري لمروءة الإنسان، يحتاج في إيجادها وتفعيلها إلى التربية والتهذيب والمجاهدة.
ولما كانت الوسيلة إلى العفة الجنسية: ضبط الجوارح عن المُستلذات المثيرة، فإن باب النظر بحاسة البصر أوسع أبواب الإثارة الجنسية، فهو كالمصْيدة، يزرع في القلب الشهوة، فمع كون الإناث في العموم أقلَّ تأثراً بالمثيرات البصرية من الرجال، وأكثر تأثراً بالمثيرات السمعية إلا أنهن مع ذلك يتأثرن من جهة البصر، خاصة وأن كثرة وقوع أبصارهن على ما يُثيرهن من مُسْتلذات النظر يفوق من جهة النوع والتكرار حجم ما تسمَعُه إحداهن -بصورة مباشرة- من العبارات المستعذبة المثيرة؛ ولهذا فإن الفتاة في باب النظر إلى المحرمات المُشْتهاة كالرجل مأمورة بغض البصر، لاسيما إن هي خشيت على نفسها الفتنة، أو قصدت بنظرها التلذذ، فلا خلاف حينئذٍ في حرمة ذلك عليها.
ولعل ما يُعين على ضبط السلوك الجنسي لدى النشء: أن يعرف أن العفَّة أقْصر الطرق إلى قمة الفضيلة، وأنه ما دام عفيفا فهو مُحصن؛ لأن إحكام الرغبات الفطرية، وإيقاع الهزيمة بالشهوات الجسدية دليل على قوة الشخصية؛ فإن: “عبد الشهوة أذل من عبد الرق”، ومن تعثَّر بالشهوات ضعف أمام الشبهات؛ فإنه “لا يقوى على ترك الشبهات إلا من ترك الشهوات”، وما عَلَتْ أخبار نبي الله يوسف عليه السلام، وجُريْج، وصاحب الغار إلا من هذه الجهة.
إن وجود شيء من الكبت المعتدل للدافع الجنسي: سلوك طبيعي مُسْتساغ في التصور الإسلامي، حيث ينعكس تأثيره بصورة إيجابية على نشاط الأبناء: الروحي، النفسي، والعقلي، كما أنه مع هذا ميدان للتنافس الأخروي؛ فإن حفظ الفرج: طريق الجنة والرضوان، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (يا شباب قريش لا تزنوا، واحفظوا فروجكم، ألا من حفظ فرجه دخل الجنة) (صحيح الترغيب 2410).
ومع كل هذا فإن العفة الجنسية أصبحت اليوم -في ظلِّ آثار الثورة الإباحية المسعورة- مطلباً عالمياً محترماً، يحظى بالجلال العلمي، القائم على قوانين كونية صادقة لا تتخلّف، تفرض على الناس -رغماً عنهم- احترام القيود الجنسية التي جاءت بها الشرائع السماوية لمصلحة الإنسان، حتى وإن لم يتقيَّدوا بها، وقد ظهرت في الأوساط الاجتماعية الأمريكية -رغم انحلالها- مؤسسات دينية تدعو إلى العفة الجنسية، وحصر النشاط الجنسي في نطاق الحياة الزوجية، وقد استجاب إلى ذلك كثير من الشباب والشابات، ووقَّعوا على بطاقات يتعهدون فيها أمام الله تعالى بالتقيد بذلك. (انظر: التربية الجنسية؛ د.عدنان باحارث).