لماذا اخترنا الملف؟

يعاني المغرب اليوم من معضلات اجتماعية شتى، تهدد تماسك بنيانه وتعصف بقوة وطاقة مكوناته، ومن بين هذه المعضلات: المخدرات والخمور والدعارة والرشوة..، إلا أن استفحال هذه الظاهرة لم يأت من فراغ إذ تمَّ وضع لبناته الأساسية وبنيته التحتية إبان مدَّة الاستخراب -الاستعمار- الغاشم.

فقد عمل “المستخربون” على تحويل الجسد إلى بضاعة جنسية مبتذلة، وعملوا على إشاعة الخمور والمخدرات ليتفاقم الانحطاط الأخلاقي والروحي، وتنتشر الأمراض المعدية، وبالتالي تضعف الروح المعنوية لدى المجاهدين المغاربة.
إن الاستغلال لا هوية ولا ملة له، فهو يمثل مصيبة واحدة، وطبيعته القائمة على القهر والتجويع تجعل الخاضعين والراكعين يفقدون كل حس بالعفة والشرف. وهذا ما سنراه من خلال الأساليب المتشابهة والمتطابقة التي استعملها الفرنسيون والاسبانيون في إذلال المغاربة والدَّوسِ على كرامتهم من أجل استغلال ثروات البلاد والحصول على الربح السريع، وإشباع النزوات البهيمية وإفساد الأخلاق.
فقواعد اللعبة لم تكن متكافئة، فمن جهة الغزاة المتسترون وراء التمثيلات الدبلوماسية, هناك المال, والحماية والمناورات, والفتن الداخلية, والاحتلال الاسباني لسبتة ومليلية, ومن جهة المغرب هناك المشاريع التي يعوِّل عليها, والتي تعتمد على الدبلوماسيين وعلى خبرائهم ومهندسيهم. وهناك الجهل والعادات والتقاليد, وهناك العجرفة القبلية وحب الذات..
كان طبيعيا أن تؤثر هذه الأحداث على المغرب, وأن تترك معالمها على محيا هذه الإمبراطورية القوية الواسعة الأطراف.
وحتى يستجلي القارئ الكريم مكر الاستخراب -الاستعمار- نورد أقوالا لمخططيه ومنفذيه:
قال “يسجو نزاك” في محاضرة ألقاها في مدينة “روان” سنة 1902م: “لكي ينهار المغرب ينبغي أن نعمل فيه الفأس, وهذا القرار العنيف ليس فيه ما يخيفنا”. المسألة المغربية ص:125-126، أوردها أبو بكر القادري في القائد عبد الله بنسعيد رائد من أعلام المغرب ص41. ط 1991.
أصدرت الإقامة العامة بلاغا رسميا مؤرخا بتاريخ 22 شتنبر 1915م يقضي بجعل اللغة الفرنسية هي اللغة الرسمية للجماعات البربرية يقول “ريبو”: “إذا تركنا هؤلاء البربر يستعملون العربية فإنهم سيصيرون مسلمين, وما معنى الإسلام؟ معناه هو إيقاف تقدمنا والوقوف في وجه مدنيتنا”. الجماعات البربرية: ص:237-239، أوردها الشيخ محمد المكي الناصري في “فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى” ص:39.
كتب “أوجين اتيان” مستشار فرنسا وخبيرها في شؤون الاستعمار ويقول: “إن لفرنسا في المغرب حقوقا وواجبات تفوق ما لغيرها من الدول الأخرى, وإن الأساس الأول لحقوقنا هي الجزائر, إن الجزائر قادتنا إلى تونس وينبغي أن تقودنا إلى المغرب” الحسن الأول ص:45، مصطفى العلوي د1.
ينبغي التنبيه أن بعض المصطلحات التي وردت في هذا الملف كالتبشير، والاستعمار، والمشروبات الروحية، وسخرية الزمان، ووصف “الجهنمي”.. وكذا بعض الأفكار، وبعض الأمور التي ساقها أصحاب المراجع المعتمدة في هذا الملف هو من باب النقل لا الإقرار، والمقام مقام نقل لا تعليق، والهدف وراء الملف إطلاع القراء الكرام على حقائق تاريخية تفسر الظواهر الاجتماعية والمخالفات الشرعية التي استفحل شرُّها في الوقت الراهن.

 

 

مبراطورية القوية الواسعة الأطراف.

عن كتاب: “الحسن الأول” مصطفى العلوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *