زواج القاصرات.. بين القبول والرفض أحمد السالمي

عند الحديث عن تعديل مدونة الأسرة تبرز مجموعة من خطوط التماس الملتهبة بين المحافظين والتيار الحداثي العلماني، ومن بين هذه القضايا الشائكة تبزر ظاهـرة زواج القاصرات، حيث تنوعت الفئات التي تناقش هذا الموضوع وشملت علماء وفقهاء وحقوقيين وقضاة، واختلفت آراؤهم بيـن الرفض والقبول، بل وصلت إلى حد اعتباره انتهاكا لحقوق الطفولة، وتجريم هذا النـوع من الزواج، وهذا يمكن إرجاعه إلى الاختلاف في المرجعيات التي يعتمدها كل فريق، فشتان بين من يعتمد على الشريعة ويعظم أحكامها، ومن يقدس القوانين الغربية ويتعصب لتوصيات الأمم المتحدة.

ويمكن أن يلمح الملاحظ أن أول اختلاف هو اختلاف مصطلحي مفاهيمي، حيث نجد أن القاصر من الورثة في الاصطلاح الشرعي هو من لم يبلغ سن الرشد، والقاصرة المرأة التي لم تبلغ سن الرشد.

كما يفرقون بين البلوغ والرشد، فربما يسبق البلوغ الرشد، أو يسبق الرشد البلوغ، فإذا تم ربط صحة تصرفاته بالبلوغ فقد يكون الضرر نتيجة عدم رشده، وهنا كانت أولوية ربط تعريف القاصر بالرشد عن ربطها بالبلوغ.

لكن القوانين بعيدة كل البعد عن هذا، فنجدها تعرف القاصر بالطفل، وهو كل شخص دون سن الثامنة عشرة من العمر، وهنا نتساءل هـل إذا تم تحديد سـن الرشـد في الثامنـة عشـرة فمن رَشـد قبـل ذلـك فهـل يكـون قاصـرا؟

كما نجد المواثيـق الدوليـة التي تُعتمد في القوانين الوضعية تطلق لفظ القاصر على كل مـن هـو دون عمر 18 سـنة بأنه طفـل، وفـي حاجة إلـى رعاية وحماية.

فربط القصور أو الطفولة بسن معين، يظهر قصوره بخلاف المفهـوم الفقهي، الذي ربطه بالبلوغ أو الرشـد، وعند المقارنة بينهما يظهر أن ربط القصور بالرشد من عدمه هو الأولى والأقرب والأصلح عقلا ومنطقا وشرعا، ولهذا يكون تعريف القاصر: كل مـن لـم يبلـغ سـن الرشـد، هو الأولى بالاستعمال.

بالنسبة لزواج القاصر ذهب جمهـور العلماء إلـى عـدم تحديـد سـن لزواج الأنثى؛ مستدلين على ذلك بأدلة صحيحة وصريحة في الموضوع، لا يتسع المجال لعرضها لكنها مبثوثة في مظانها.

وبخصوص قوانيـن الأحوال الشخصية الوضعية نجد أن غالبيتها تنص على منع زواج القاصرات وتحديد سن للزواج، وهذا ينطبق على عدد من الدول العربية والإسلامية والغربية، كما نجد سن الـزواج فيها يتراوح ما بين الخمسة عشر عاما (15) إلى العشـرين عاما (20) أو أكثـر بقليل، وبذلك تكون هـذه القوانين قـد منعت تزويـج القاصر قانونا، وجرمته.

كما يمكن أن نجد أن المانعين لـم يفرقوا بين سن عقد الزواج للقاصر وبيـن الدخول بها، بينما الفقهـاء الذين أجازوا زواج القاصر قصدوا بذلك عقـد الزواج لا الدخول، كما وضعوا شروطا وضوابط كإطاقة الجماع والمعاشرة وتوافر الوعي بالحقوق الزوجية والقدرة علـى تحمل مسـؤولية الـزواج ونحو ذلك، من الأمور التي يحرص على وجودها القاضي الشرعي.

فتقييد الزواج بسـن معينة أمر غير منطقي ومرفوض عقلا، لاختلاف سن الرشد من فتاة لأخرى، الذي يتأثر بتغير الظروف البيئية المحيطة، وبالفيزيولوجية البشرية، ولهذا فتحديد سن معينة للزواج أمر غير منضبط وغير مستقر، ولا يعقل أن تبنى القوانين على المتغيرات التي ليس لها قاعدة واحدة مضطردة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *