لماذا اخترنا الملف؟

الأطفال زينة الحياة الدنيا وبهجتها، فهم زينة مجتمعنا الذي يزخر بهذه الثروة العظيمة التي تفتقدها المجتمعات الغربية بصورة صارخة..

لكن لماذا تنقلب عندنا النعمة إلى نقمة بل إلى ويلات؟
لماذا يغادر الأطفال بيوتهم، وينتقلون إلى العيش في الشارع؟
ما الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك المثير للاستغراب؟
لقد باتت بعض أحياء مدننا الكبيرة أمكنة لمبيت العديد من الأطفال الذين لا زالوا في عمر الزهور، نجدهم في مواقف السيارات وعند إشارات المرور، وعند أبواب المساجد والمحلات التجارية..
فقد أضحت بعض أماكن مدينة الرباط كـ”باب الحَد” مثلا، مأوى لتجمع أطفال الشوارع، فما أن يخيم الظلام حتى يتوافد مجموعة من الأطفال في سن الزهور يفترش بعضهم بعضا ويستسلمون للنوم في صورة تبعث على الاشمئزاز والتذمر الذي لا يمكن استساغته.
فبعض المارة ألفوا هذا المنظر ولا يكترثون ولا يأبهون حتى لوجودهم، والبعض الآخر يطلق بين الحين والآخر نظرة عليهم وهم يرددون: “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.
ففي الغالب، لا تخلو مدينة مغربية من أطفال في حالة يرثى لها، معظمهم -للأسف الشديد- ينحرفون، فيتعاطون التدخين والمخدرات والكحول، و قد تطور الأمر ليصل إلى حد الإجرام في عدد من الحالات.
و لا أحد يستطيع أن يلومهم لوما مباشرا، فهم ضحايا قبل أن يكونوا أي شيء آخر، ضحايا عوامل اقتصادية واجتماعية لم ترحمهم، ولم تترك لهم فرصة للخيار أمام صعوبة الظروف التي يعيشونها، وكيف يلام من وجد نفسه في الشارع قبل أن يبلغ الحلم؟
إن واقع الطفل في المغرب هو جزء من واقع الطفولة في العالم العربي والعالمي بشكل عام، فهذا الكائن الصغير الذي يرمز إلى البراءة والطّهر ليس بمنأى عمّا يحدث في المجتمع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما سبق ذكره، بل يمكن القول: إنه الأكثر تأثـُّراً بها بحكم هشاشة بنيته النفسية، وقدرته على التفاعل السريع مع محيطه.
ثم إن غياب تطبيق الشريعة الإسلامية الحامية للفرد والمجتمع وتهميش الدين كمصدر للتربية المبنية على الإحساس بالمسؤولية أمام رب العالمين، وانتشار الفقر والبطالة وانتشار المخدرات والخمور، وعدم التماسك الاجتماعي وغيرها تعتبر من العوامل الرئيسة المؤثرة على الطفل والأسرة بصفة قوية وحاسمة مما أفرز ظاهرة أطفال الشوارع.
فأحوال الأسرة السيئة نتيجة الطلاق أو الهجر والعيش في كنف زوج الأم أو زوجة الأب، وانتشار الأمية، والانحطاط الأخلاقي كثيرًا ما تدفع الشاب أو الفتاة إلى الهروب والخروج إلى الشارع، حيث يتعرضون لكافة أشكال الاستغلال المادي والجنسي والبدني، ويعانون من سوء المعاملة والحرمان النفسي، ومن أجل توفير لقمة العيش يمارسون مجموعة من الأعمال كالتسوّل، وبيع السلع التافهة، والعمل في المحال العامة، والدعارة..
صحيح أن ظاهرة أطفال الشوارع ظاهرة عالمية تعاني منها حتى المجتمعات المتقدمة والمتطورة، وصحيح أيضا أنه لحلها ولإيجاد منافذ لها لابد من تظافر الجهود، ولكن متى ستتظافر هذه الجهود؟ ومتى سينظر للأمر أنه استعجالي لا يحتمل أي شكل من أشكال التأخير؟ متى سنولي اهتماما أوسع للظاهرة؟ ومتى سنعي الأهداف الملغومة للجمعيات الغربية؟
ثم إن الجمعيات المهتمة بهذه الظاهرة أغلبها ذا توجه علماني مادي لا يبحث عن الحلول الجذرية للمشكل، بل يحاول دوما معالجة النتائج المترتبة عنه، فوجود أطفال الشوارع في بلد كالمغرب عاش قرونا على مبدأ التكافل الاجتماعي المؤسَّس على مثل قوله صلى الله عليه وسلم: “كافل اليتيم – له أو لغيره- أنا وهو كهاتين في الجنة وأشار مالك بالسبابة والوسطى” صحيح مسلم، وكقوله عليه الصلاة والسلام: “الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار” الصحيحين، فوجود مثل هذه الظواهر في بلد مسلم دليل على البعد عن الإسلام كأساس للنظام السياسي والاجتماعي ونتيجة مباشرة له.
وهذا دأبها في كل المشاكل الاجتماعية والصحية، تهتم بالآثار والنتائج فقط، ومثال ذلك ملف “السيدا” فبدل أن تهتم بأصل المشكل المتمثل في الزنا واللواط، فتقوم بمعالجته بدعوة الناس إلى اجتنابهما والمطالبة بسن القوانين الشرعية الزاجرة لمقترفهما، نجدها تسعى إلى توعية الناس بالكيفية التي تقِيهم من “السيدا” وتوزع عليهم العوازل بالمجان، ومن ثم يبقى أسُّ المشكل قائما على الدوام، وهذه هي بالتحديد المقاربة العلمانية الأوربية والأمريكية لحل المشاكل الاجتماعية والصحية التي لها علاقة بحرية الفرد.
فهل استطاع الغرب أن يقضي على ظاهرة أطفال الشواع أو على وباء “السيدا” حتى نقلده؟
ومتى سنسعى إلى حل مشاكلنا بالكيفية التي تتناسب مع مرجعيتنا الإسلامية المستمدة من كلام الله سبحانه وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى؟

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *