دعا النائب والوزير الفرنسي السابق هيرفي غايمار، خلال لقاء نظمته سفارة المغرب بباريس، الأسبوع الماضي “إلى الاستلهام من التجربة المغربية في مجال النهوض بإسلام معتدل”.
لماذا يدعو وزير فرنسي إلى هذا؟
وكيف يصدر شخص غير مسلم حكمه على إسلامنا ويقيم الصالح منه وغير الصالح؟
وكيف يعطي لنفسه الحق في تقديم النصح والتوصيات، بأخذ هذا الإسلام وترك ذاك؟
إنها الصورة التي وصل إليها المغرب بدخول جحر ضب الإصلاح الديني، إصلاح يفتي فيه غير المسلمين، إصلاح خطط له أمثال الأكاديمي الأمريكي “كامبيز كانيبا سيري”، الذي شغل منصب مدير الشئون الأكاديمية بمؤسسة دار “الحديث الحسنية”، وأشرف على المناهج الدراسية في مؤسسة لتخريج العلماء والفقهاء، ثم قيل أنه رجع إلى واشنطن ليشغل منصبا بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه”.
في وقت أصبح الأجانب من النصارى واليهود والملاحدة يقيمون تجربتنا الدينية، ويبدون بشأنها رأيهم وينصحون باعتمادها والنسج على منوالها، بعد أن يضعوا هم مناهجها وقواعدها، ويفتخر المغرب بذلك، ويسوقه مساق الاستدلال والاستشهاد، على صواب اختياره، وصحة منهجه، أصبح من الطبيعي أن تسمع بعزل إمام هنا وتوقيف خطيب هناك، ليس لأنه خالف عقيدة المغاربة، أو دعا لثورة أو فوضى، أو سفه المذهب المالكي أو الأشعري، وحتى إن فعل ذلك، فالمفروض أن يناقش ويناظر. ولكن لأنه خالف توجها سطرته وزارة الأوقاف في إطار اتفاقياتها وبرامجها المعلنة وغير المعلنة.
خطة إصلاح الحقل الديني، تشمل جوانب وواجهات عدة، لكن ما يظهر منها أكثر مما يختفي، يكفي أن يتحدث خطيب عن الصهاينة أو طغيان أمريكا، أو عن الشذوذ الجنسي أو مهرجان موازين، أو التعليق على أي حدث أو ظاهرة، ومقاربتها من وجهة نظر عقدية أو فقهية، لا توافق وجهة النظر العلمانية والحداثية، ليتم توقيفه مباشرة، دون استدعاء أو مناقشة أو إنذار. التوقيف هو أول وآخر إجراء تتخذه وزارة الأوقاف، بحق الأئمة والخطباء الذين ترى بمزاجها أنهم خالفوها الرأي.
نحن إذن أمام استبداد وتسلط ونظرة أحادية جامدة متصلبة متحجرة متكلسة، لما ينبغي أن يكون عليه دور الإمام والخطيب، نظرة لا تقوم على حوار أو نقاش، بل على فكرة لا أريكم إلا ما أرى، لا تستعين بالأدوات العلمية، بل بأدوات السلطة، من استدعاء وعزل وتأديب، غرضها خوصصة المنابر لخدمة العلمانية، وقمع الخطباء والأئمة وتكميم أفواههم، وقهرهم على خدمة مشروع ورؤية هدامة لما تبقى لنا من خصوصية.
بالمقابل يسرح العلمانيون في منابرهم ويمرحون، ويتبنون أي طرح يشاؤون، يؤطرون المواطنين وينشرون فيهم كل الأفكار والقناعات دون حسيب ولا رقيب، ومنهم موظفون لا تحاسبهم وزاراتهم كما تفعل وزارة الأوقاف مع الخطباء.
فتجد من الأساتذة العلمانيين، من سخر منابر التواصل الإعلامي والمنابر الإعلامية، للترويج لكل أنواع الشذوذات الفكرية والثقافية وحتى الأخلاقية، دون أن يجرؤ أحد على مناقشته. وتجد من السياسيين من يتلفظ بما شاء على منبره، دون حسيب ولا رقيب، فقد استهزأ إلياس العماري بقناة محمد السادس وحرض ضدها، ودعا إدريس لشكر من فوق منبره لتجاوز الخطأ القرآني في الإرث وتصحيحه، واستهزأ أكثر من واحد بالنبي صلى الله عليه وسلم، في أكثر من منبر، ولا يفتأ العلمانيون يحرضون على ثقافة المغاربة وقيمهم وقوانين الدولة على مختلف المنابر الإعلامية.
مؤخرا زار الكيان الصهيوني (إسرائيل)، وفد يسمي نفسه تربويا، مكون من بعض الأساتذة، وتابع المغاربة تلك الزيارة على مواقع التواصل الاجتماعي، بالصور والتدوينات المستفزة لدين وتاريخ وثقافة وهوية وأخلاق المغاربة، ولم تتحرك أي جهة من الجهات، ولم تر في ذلك إشارة على خطورة هذا الأستاذ على ما يسربه لتلاميذه، واستغلاله لمنبر التدريس لتسميم أفكار الناشئة.
عدد كبير من المثقفين العلمانيين، يستغلون منابر عديدة من الإعلام إلى التعليم مرورا بالفن والفكر وغيرها، لتمرير قناعات تدمر هوية هذ البلد وعقيدته وثقافته، ولا يحرك أحد الساكن، لأن ذلك يدخل في خطة العلمنة التدريجية، لهذه البلاد وثقافتها وقوانينها. والتي تشكل وزارة الأوقاف أحد أذرعها وآلياتها.
على منابر العلمانيين أن تبقى بعيدة عن كل مساءلة، تفتح أمامهم كل الأبواب، لينشروا ما شاؤوا من أفكار.
وعلى منابر الخطباء والعلماء، أن تكون تحت وصاية كل الوزارات والأجهزة والإدارات، يبدي بشأنها رأيه، أقل الكتاب العلمانيين شأنا، ويفتي بمنع هذا الخطيب أو ذاك، وتستجيب له كل أجهزة الدولة عن بكرة أبيها، لأن الغرض ليس هو السهر على حماية ثقافة هذا الشعب وعقيدته وقيمه، الغرض هو تغيير هذه الثقافة وهذه العقيدة وهذه القيم، لتحسين صورتنا أمام هذا الوزير الفرنسي أو ذاك، وهذا المركز البريطاني أو ذاك المثقف الأمريكي، ليرضى عن أدائنا وينصح بالاستلهام من تجربة تمييع ديننا، دين في خدمة العلمانية والمصالح الغربية، تتضافر كل المنابر لخدمته.