تعرَّف الصهيونية المسيحية بأنها “حركة قومية تعمل من أجل عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين وسيادة اليهود على الأرض”، ويعتبر الصهيونيون المسيحيون أنفسهم مدافعين عن الشعب اليهودي وخاصة “دولة إسرائيل” ويتضمن هذا الدعم معارضة كل من ينتقد أو يعادي تواجدها ومصالحها.
“والتر ريغنز” الأمين العام لما يسمى “السفارة المسيحية الدولية” وهي من أخطر المؤسسات الصهيونية ومركزها في القدس، يعرف اصطلاح “الصهيونية المسيحية” بطريقة سياسية وعلى أنه -أي التعريف- أي مسيحي يدعم الهدف الصهيوني لدولة إسرائيل وجيشها وحكومتها وثقافتها الخ.
أما القس “جيري فالويل” مؤسس جماعة العمل السياسي الأصولي المسماة “الأغلبية الأخلاقية” وهو الذي اتهم الإسلام بأنه دين إرهابي، فإنه يقول: “إن من يؤمن بالكتاب المقدس حقًا يرى المسيحية ودولة إسرائيل الحديثة مترابطتين على نحو لا ينفصم، إن إعادة إنشاء دولة إسرائيل في العام 1948 لهي في نظر كل مسيحي مؤمن بالكتاب المقدس تحقيق لنبوءات العهدين القديم والجديد”.
وقد نشأت الصهيونية المسيحية، وكما نعرفها اليوم، في انجلترا في القرن السابع عشر، حيث تم ربطها بالسياسة، ولا سيما بتصور دولة يهودية تتميمًا حسب زعمها لنبوءة الكتاب المقدس، وانتقلت في مرحلة ثانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أخذت أبعادًا سياسية واضحة وثابتة كما أخذت بعدًا دوليًا.
دور الصهيونية المسيحية
شكل تيار الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة على الدوام رافدا استندت إليه الصهيونية في تحقيق مشروعها وفي تشكيل مجموعات ضغط تعمل لمصلحة “إسرائيل”، بل وفي كسب قطاع واسع من الأوساط البروتستانتية الأصولية في أمريكا وعلى أعلى المستويات.
وإذا كانت الصهيونية المسيحية تبرز كقوة محركة ودافعة للسياسة الأمريكية ونزوعها إلي معاداة العرب والمسلمين وحقوقهم؛ والتحريض على خوض الحروب ضدهم تحت شعار محاربة “الإرهاب” أو غيرها من الشعارات، فالحقيقة أن تيار الصهيونية المسيحية موجود منذ سنوات طويلة وبدرجات مختلفة في مراكز صنع القرار الأمريكي في مختلف العهود وبالذات ابتداء من وصول اليمين المحافظ أو “المحافظين الجدد” إلى الحكم في الولايات المتحدة في عهد حكم الرئيس رونالد ريجان عام 1980.
وقد أسس هذا اليمين برامجه السياسية والاجتماعية والثقافية علي مبادئ دينية خطيرة، وشكل مع قوي الصهيونية المسيحية تحالفات وثيقة. وقد لعبت القوى الصهيونية المسيحية دورا رئيسيا في صياغة الأبعاد الأيديولوجية والتصورات الفلسفية والأخلاقية لقوي اليمين المحافظ، كما أمدته بعناصر وكفاءات بشرية بارزة، وساندته بمؤسساتها ومنظماتها المختلفة بحيث أضحى أبرز مفكري هذا اليمين المحافظ يعبرون عن جوهر المنطلقات الفكرية لتيار الصهيونية المسيحية، وأخذوا يوظفون هذه المنطلقات في صياغة الفكر الاستراتيجي الحاكم في الولايات المتحدة، وقد تجلى ذلك جليا في عهد الرئيس جورج بوش.
وتعتبر مؤلفات الكاتبة الأمريكية جريس هالسل وبالذات كتاب “النبوءة والسياسة” ثم كتاب ” يد الله” (ترجمهما للعربية الأستاذ محمد السماك) من أبرز ما كتب عن هذا التيار الديني-السياسي المؤثر بقوة متصاعدة في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية وبالذات نحو الصراع العربي-الصهيوني خاصة، والوطن الإسلامي بصفة عامة.
لقد بين كتاب “النبوءة والسياسة” أن الصهيونية أضحت بسبب تيار الصهيونية المسيحية صهيونيتين: الأولى والأساسية صهيونية مسيحية، والثانية يهودية.
ويأتي كتاب “يد الله” ليبين أن اللا سامية أضحت، وبفضل هذا التيار أيضا، لا ساميتين، الأولى تكره اليهود وتريد التخلص منهم وإبعادهم بكل الوسائل الممكنة (لا سامية المجتمعات الأوروبية في النصف الأول من القرن العشرين)، والثانية تكره اليهود أيضا بيد أنها تريد تجميعهم في مكان محدد هو فلسطين، ليكون هذا المكان مهبط المسيح في مجيئه الثاني المنتظر (لا سامية أمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين وما بعده).
وفكر هذه اللاسامية يجئ امتدادا للفكر الذي أرسته بعض الحركات الدينية المسيحية وبالذات “الحركات الألفية” التي تؤمن بأن المسيح عليه السلام سيعود ليحكم العالم مدة ألف سنة، وربطت بين هذه العودة ووقوع بعض الأحداث الرمزية من أهمها عودة اليهود إلي فلسطين وقيام دولة إسرائيل وإعادة بناء الهيكل ثم ظهور المسيح الدجال، وتفجر مجموعة من الصراعات الدموية تتوج بالمعركة الشهيرة المعروفة بمعركة “هرمجدون” ( قرية مذكورة في الرؤيا وتقع شمال القدس) حيث تقع معركة بين الحق والباطل، وعند اقتراب إفناء العالم يظهر المسيح.