“هناك حالياً اتجاه يسرف في الحكم على الدول وفقاً لعدد دباباتها وطائراتها المقاتلة! والواقع أن كَمَّ وكيف التعليم هو الذي سيكون العامل الأكثر حسماً في المستقبل القريب.. فليست المعركة العسكرية هي التي ستحدد مصير الأمم الصغيرة والمتوسطة في العالم، بل إن الذي سيفعل ذلك هو النمو الفكري والفني الدائم للأفراد”. (ألبرت ميرجلان؛ خبير الاستراتيجية الدولية).
كما عزل “التعليم المدني” عن الدين، فقد عزل التعليم الإسلامي عن الحياة الاجتماعية كلها، ولكي لا يتفاعل خريجوه مع المجتمع فيؤثرون فيه ببث القيم الإسلامية الأصيلة، وإن نجح هذا العزل نجاحا مؤقتا فإنه لم ينجح إلى النهاية؛ مما يجعلهم يفكرون في طريقة أخرى؛ وهي أن يجعلوه يقترب من التعليم غير الإسلامي “العلماني” ما أمكن ذلك، وهو ما أسموه بالتطوير. أما فكرة العزل فقد تمثلت في محاولة انهزام الروح المعنوية لدى الطلاب في المعاهد الإسلامية وكذلك الأساتذة.
فكان الطالب الإسلامي موضع سخرية من زملائه في الجانب المقابل حيث كان خرجوا المعاهد الإسلامية قلَّ أن يجدوا لهم عملا في القطاعات الحكومية وأجهزة الدولة، اللهم إلا أولئك الذين ينصبون إلى الفتيا وشاكلتها، وحتى الذين يتم تشغيلهم في أجهزة الدولة الرسمية فإن أجورهم وعلاواتهم وترقياتهم تكون أقل بكثير من رصفائهم من خرجي المعاهد العلمانية.
وقد تسببت هذه الحرب النفسية بالفعل في تحطيم نفسية كثير من طلاب المعاهد الإسلامية؛ الشيء الذي جعل ضعاف النفوس وواهني الإيمان منهم يظهر بالمظهر الذي يبعد به عن الدين ويدينه من رفاقه العلمانيين؛ حتى يقال إنه “متحرر وتقدمي”!!!
وثم شيء آخر كان أعداء الإسلام يرمون إليه من ابعاد ذوي الثقافة الإسلامية ألا وهو أن يمكنوا لأولئك العلمانيين أن يتمركزوا في الأماكن الحساسة التي تتصل بحياة الناس اتصالا مباشرا؛ حتى يشعر الفرد بأنهم هم الذين يقومون بخدمته ويرعون مصالحه؛ وهم وحدهم الأكفاء لإدارة الأعمال الحكومية وتسيير دفة النظام بخلاف أولئك الإسلاميين الذين لا يعرفون إلا الفتيا في مسائل الأحوال الشخصية!!
حتى إن الواحد منهم مهما كان قديما في العمل، زمنا وممارسة فإنه يُضن عليه بأن يكون مدير مدرسة أو مدير جامعة أو مدير مؤسسة حكومية؛ بحجة أنه ليس خبيرا في علم الإدارة وفي هذا لم يعد “نوط” الجدارة ولا يستطيع ان يحتل فيه مكان الصدارة؟
وفي نفس الوقت نجد ذوي الثقافة الغربية قد قبضوا على كل البرامج سواء في الجهاز التنفيدي أو في الجهاز التشريعي؛ الذي يحرر القوانين التي تسير النظام في البلاد.
وهم الذين بيدهم وضع المناهج التعليمية، وهم الذين يعملون في قيادات الجيش والشرطة، وهم الذين بيدهم إدارارت المؤسسات الحكومية الكبرى والبنوك والشركات وهم القضاة والمحامون..
ومن هذه النافدة وعن طريق هذا المخطط المرسوم فقد انزوى الإسلاميون وتقوقعوا..
ولذلك فقد سببت هذه الإنشطارية في التعليم، بجعل جناحين له أحدهما متصل بحياة الناس، والآخر شبه ميت ومنطو على نفسه، سببت انتشار الفكر المناوئ للدين وعلمنة الحياة، وإحلال أي نظام آخر محله كيفما كان ذلك النظام، يعتبر هدما لكيان الأمة ومسخا لعقيدتها وتشويها لوجهها الحقيقي الأصيل، وبالتالي تبديل مفاهيم المسلمين نحو دينهم وما يتطلبه منهم وإدخال مفاهيم جديدة لم يعرفها سلف الأمة مثل ما نسمعه اليوم من نغمات نشاز تقول بإبعاد الدين عن مفهوم السياسة أو كما سموه مؤخرا “عدم تسييس الدين أو تدين السياسة”!! وهو قالب آخر لقول النصارى في أناجيلهم “دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر”؟
ومع تلك الحملات التي شنت لتدمير المعاهد الإسلامية ووأد الثقافة الإسلامية وقتلها في نفوس أصحابها، ومع ذلك كله نجد أعداء الإسلام يضيقون ذرعا بوجود هذه المعاهد التي مازالت تعنى بدراسة الدين عامة وتحفيظ القرآن الكريم خاصة، ومادامت هذه المعاهد قائمة ويؤمها طلاب مسلمون، فإنه لا يقر لهم قرار ولا تهدأ لهم ثائرة، ذلك لأن هذه المعاهد تبث القيم الإسلامية الصافية في نفوس الطلاب الشباب، ولا بد أنه سيأتي يوم ترتفع فيه راية الإسلام عالية خفاقة.. ويكون هؤلاء هم باعثوها..
..لما رأوا أن خطة عزل التعليم الديني وإقصائه عن الحياة ربما لا يضمن استمرارها إلى أمد طويل ولاسيما أن الصحوة الإسلامية بدأت تأخذ طريقها إلى المجتمع المسلم بفضل اتصال أبنائهم في المعاهد الإسلامية بهم ولو في نطاق ضيق محدود، ولذلك فقد عمدوا إلى طريقة أخرى لعلها تؤتي ثمارها المرجوة منها تمثلت في تطوير المعاهد الدينية وتحديثها. (انظر كتاب مجالات انتشار العلمانية وأثرها في المجتمع الإسلامي؛ للدكتور محمد زين الهادي).