عندما يصبح الانفتاح مرادفا للانسلاخ من الدين!

..لا مشكلة لدى المسلمين في معرفة الآخر والانفتاح عليه؛ لهدايته إلى الحق أولاً، والاستفادة مما لديه من تقدم علمي ودنيوي، ولكن هؤلاء يريدون بالانفتاح شيئاًَ آخر وهو التراخي في التمسك بدين الله وقبول ضلالات الآخرين تحت مسمى الانفتاح ونبذ الانغلاق.

يتكرر كثيراً مصطلح “الانغلاق والانفتاح” للتدليل على موقف المجتمعات والحضارات والأفراد والجماعات من ثقافة الآخرين وسلوكياتهم، فمن يتقبل ثقافة الآخرين وسلوكياتهم فهو متفتح، ومن يرفضها ويدور حول نفسه وثقافته وسلوكياته فهو منغلق!
والانغلاق في رأي الغرب ومن سار على هداهم صفة ذم، والانفتاح في رأيهم صفة مدح، وهي وسيلة من وسائل هدم حصون الأمة وتذليل تعاونها مع الغزو والاستلاب؛ لأن المتفتح على الآخرين في رأيهم لا مشكلة لديه في النظر في ما سوى الآخرين والاندماج في أفكار العدو والارتياح إليه، وهذا ما يريده العدو، ولهذا وضع مثل هذا المصطلح وأكثر من الإلحاح عليه والتأكيد عليه لإيهام المنغلق بوهم يعينه عليه ويضعف من مقاومته.
والسؤال المهم: هل المسلم منغلق، أم منفتح؟
المسلم واثق بما لديه من دين الحق والصواب، وليس بعاجز عن القراءة والاطلاع على ما لدى الآخرين إطلاع وقراءة الواثق الناقد، والمسلم مطالب بدعوة الناس أجمعين، ولا يتم ذلك إلا بالذهاب إليهم ومخالطتهم ومعرفة ما لديهم، فليست هذه هي المشكلة، فالمقصود بالانفتاح أن تقبل ما لدى الآخرين ولو خالفوا دينك، وأن تتساهل معهم وتتجاهلهم وتعلق رضاك بالباطل الذي يتلبسون به، مع علمك التام ببطلانه، أو أن تكون مغفلاً لا يفرق بين حق وباطل وخير وشر، بل تهمه حياته الدنيا ومعيشته.
إن أمة الإسلام يشهد لها تاريخها بأنها خالطت الأمم الأخرى وانفتحت عليها وعرفت ما لديها وأثرت فيها وتأثرت بها في الجوانب الحضارية الدنيوية التي هي مشاع مشترك بين الأمم، ولا علاقة لها بدين ولا عقيدة ولا سلوك، ولا يحتاج هذا الأمر إلى تدليل؛ لأنه واضح في تاريخها يعرفه القاصي والداني في المغرب ومصر والعراق والشام والأندلس والهند ووسط آسيا، ولا زالت آثار ذلك باقية نراها في معيشة الناس وفي بطون الكتب، وإن كان هذا الانفتاح قد خلف آثاراً سيئة عندما دخل في القصائد والأديان والسلوك، ولكن دين الله بقي نقياً واضحاً يعرفه من أراده وبحث عن الحق بأدلته.
إذن لا مشكلة لدى المسلمين في معرفة الآخر والانفتاح عليه؛ لهدايته إلى الحق أولاً، والاستفادة مما لديه من تقدم علمي ودنيوي، ولكن هؤلاء يريدون بالانفتاح شيئاًَ آخر وهو التراخي في التمسك بدين الله وقبول ضلالات الآخرين تحت مسمى الانفتاح ونبذ الانغلاق.
لاشك أن الغرب عانى كثيراً في صراعه معنا من مشكلة إصرار المسلمين على الحق وتمسكهم به مع وجود المغريات الحضارية المادية والمعنوية، وقد اشتكوا في كل مكان احتلوه من بلاد المسلمين من هذه المشكلة، فأرادوا بمثل هذه المصطلحات أن يُروِّضوا الأمة على قبولهم وقبول ما لديهم من أفكار وسلوكيات، واستطاعوا بقوتهم المادية وسيطرتهم على بلاد المسلمين وتمكنهم من تربية أجيال عديدة وإقناعهم بمثل هذه المفاهيم أن يجتاحوا أعداداًَ ليست بالقليلة من المسلمين.
ولكن يقظة الأمة وصحوتها مع نفسها ورجوعها إلى ربها في الأزمنة الأخيرة أغاظتهم وأثارت مخاوفهم من عودة جذرية شاملة لهذا الدين، يتمكن به المسلمون من خلع نير الغرب عن رقابهم؛ فاستعادوا أسلحتهم القديمة وأخرجوا مثل هذه المصطلحات، وأعانهم عليها الطابور الخامس (العلمانيون) ممن تمكن حب الغرب من قلوبهم، فرأينا في الفترة الأخيرة كثيراً من الكُتّاب في الصحف والمتكلمين في الإذاعات والقنوات ومواقع إلكترونية يكثرون من الحديث حول الانفتاح والانغلاق حتى لا يسبقنا الركب -بزعمهم- ونتخلف عن الحضارة المعاصرة ونصبح على هامش الحياة. ويتجاهل هؤلاء أن أكثر من مائتي سنة مرت على احتكاكنا بالغرب وغيره ومعرفة ما لديه من تقدم علمي واضح ولكن دون جدوى.
ويتجاهل هؤلاء أننا في الفترة السابقة انفتحنا على الغرب وأسرفنا على أنفسنا، وأن ذلك ما زادنا إلا ضعفاً وهواناً ولم يتعلموا من تجربة الماضي القريب، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ويتجاهل هؤلاء أسباب تخلفنا وتقصيرنا مع معرفتهم التامة بالمسؤول عن ذلك الذي سيحاسبه الله على ذلك وإن لم يحاسبه الناس.
المهم هو أن تتنبه الأمة إلى ما في هذه المصطلحات من كيد ومكر، وما فيها من ألغام متفجرة، وما وراءها من حرص على اختلال هذه الأمة وإضعاف مقاومتها المعنوية لتفوق العدو في المجالات الأخرى “ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئاً وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ”، “وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ” فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخاطب بمثل هذا الخطاب ويُحذَّر من مساومة العدو له على مبادئه، فما بالنا نحن المساكين الضعفاء نفقد حذرنا ونثق بعدونا وأتباعه -الطابور الخامس- ونتساهل في هذه المصطلحات؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *