كما كان متوقعا، فقد خرجت المنابر الإعلامية العلمانية مدافعة ومنافحة بقوة عن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، وذلك عقب الحدث الذي هز الرأي العام بسبب المظاهرة التي قامت بها جموع المصلين داخل مسجد يوسف بن تاشفين بفاس يوم الجمعة 2 دجنبر 2016، احتجاجا منهم على عزل الخطيب ونائب رئيس المجلس العلمي محمد أبياط.
فإذا كان موقف العلمانيين من الدين واضحا، يحكمه اختلاف المرجعية والنظرة للكون والحياة والإنسان، فإنهم اختاروا في هذه المحطة أن يقفوا في صف وزير الأوقاف، الذي أثنى عليه بقوة منبر “آخر ساعة” التابع للعماري بسبب أن الوزير التوفيق يشكل “عقدة للحزب القائد للحكومة السابقة واللاحقة” رغم أنه أحد مكوناتها!
دفاع العلمانيين عن وزير مكلف بحماية الدين وحراسة العقيدة التي يتهددها بالأساس المدّ اللاديني الجارف، يمثل صك اتهام موقع من المنتمين لهذا التيار موجه للسيد الوزير، فهؤلاء لا يرضون على أحد حتى ينزل مشاريعهم وينفذ خططهم ويمتثل تعليماتهم.
“كشك” و”آخر اساعة” و”الأحداث”
مباشرة بعد مظاهرة مسجد ابن تاشفين خصصت كل من الجريدة الإلكترونية “كشك” والورقية “آخر الساعة” التابعتين لآل العماري وحزب الأصالة والمعاصرة، مجموعة من المواد الإعلامية، حاولت من خلالها تضليل الرأي العام والنيل من الغريمين، السياسي: العدالة والتنمية، والأيديولوجي: الحركات الإسلامية والمجالس العلمية وعموم المواطنين المتدينين.
فحمَّلت الحدث فوق ما يحتمل، وشبهت المواطنين الذين رفضوا إقالة أبياط بالخوارج، وأغرقت في نظرية المؤامرة والقراءة السياسية للحدث، وأكثر من ذلك جعلت نفسها مدافعا عن الدين، وهي التي تهاجمه وتزدريه في كثير من أعدادها تحت غطاء (محاربة الفهم المنحرف للدين)، وكان آخر فضائحها مهاجمة سيد الخلق سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ومما كتب في المنبرين نجد:
“العابثين بسكينة مسجد ابن تاشفين بفاس لن يوضحوا لنا الأسباب الحقيقية التي كمنت وراء ما قاموا به على نحو لم يسبقهم فيه أحد من المغاربة، عندما خططوا ودبروا واستخدموا الأساليب القديمة إياها، قولا وفعلا”..
“هكذا دون مراعاة للحرمات المسجدية ولا احترام للإمام الخطيب المعين ولا لجموع المصلين، ودون تفكير بعض المصلين منهم في بطلان جمعتهم ولغوهم وجهرهم بالقول”..
“انتهاك حرمة المسجد بالطريقة الغير مسبوقة التي تمت بها بفاس، هو إعلان لبدعة وعصيان سافر في دولة المؤسسات.. وسلوك ناتج عن خطاب سياسي ساد في السنوات الأخيرة”..
“هذه البدعة هي مظهر سافر لتمظهرات الخروج عن الأمة، وتحديد مسبق لموقف جماعة من الإمامة، وقد ينتهي الأمر لا قدر الله كما انتهى الأمر بالخوارج، على عهد علي”..
“نشطاء بيجيديون يمنعون المُصلين من أداء صلاة الجمعة بعد عزل خطيبهم”..
أما جريدة “الأحداث” والتي لها سجل حافل في الحرب على العلماء والخطباء والتديّن عموما، فقد دافعت هي الأخرى عن وزير الأوقاف، وأرجعت سبب توقيف أبياط “إلى خطبه المثيرة للجدل، التي يختلط فيها عن قصد الدين بالسياسة”.
وهذه -عند القوم- جريمة كبرى لا يحق لمن اعتلى منبر الجمعة أن يخوض فيها إلا بإذن؛ ذلك أن الخطيب انطلاقا من المرجعية العلمانية التي تكبل عقول معظم الكتاب والصحفيين للأسف؛ لا يجوز في حقه بتاتا أن يخوض في قضايا الشأن العام، ولا الدفاع عن الهوية الإسلامية وكشف مخططات من يستهدفها، سواء على المستوى العقدي أو الثقافي أو السلوكي.. وإلا عُدَّ هذا الخطيب مغردا خارج السرب، و”سجين نظرية المؤامرة التي تسيطر على الإسلاميين”! و”عميلا أيضا لحزب إسلامي”.
وواضح أن السيد وزير الأوقاف يحرص بشدة على إقصاء كل خطيب يتجاوز الحدود التي يحرسها سدنة الكهنوت العلماني، وهذا ما يرضيهم ويدفعهم إلى الوقوف في صفه والدفاع عنه وعن مشروعه بقوة.