بحسب تحليلات كثيرة فإن كلمة السر في هذا الاتصال، بين البلوكاج والزلزال، هي ابن كيران، منذ بداية مسلسل تعثر تشكيل الحكومة، الذي لعب فيه العزيز أخنوش دورا مهما، كما لعبت فيه أحزاب أخرى أدوارا محددة بالوكالة لجهات أخرى، فكانت حرب البلاغات وشد الحبل وكسر العظم، بين بنكيران مسنودا بحلفائه، وأخنوش الذي يمثل الجزء الظاهر لقوى خفية.
جهات لم تعد راغبة ببنكيران، الذي لم يلتقط الإشارات أو التقطها وتجاهلها، وحاول أن يلعب دور الزعامة مطمئنا لرصيده الشعبي وأصوات الناخبين، وقوته التنظيمية وديمقراطيته الداخلية، معتقدا أنه امتلك أوراقا رابحة في معركة بدت لكثيرين حتى من مقربيه أنها خاسرة، رغم أن الأسلحة التي استعملت فيها كانت بدائية، كمسيرة ولد زروال وغيرها، إلا أن المؤكد أن المعركة يصعب كسبها، لعدم التكافؤ.
ضاقت الخيارات على بنكيران من أجل تشكيل النسخة الثانية لحكومته، لكنه ظل يناور مستعملا كل الخيارات المتاحة، وكلما سلك ممرا انتهى به المطاف أمام باب محكم الإغلاق، وبقي لستة أشهر عاجزا عن تشكيل حكومته، فكان أن استدعاه الملك، وأعفاه واختار العثماني خلفا له، وشكل حكومته في عشرة أيام، وانتهى مسلسل “البلوكاج”.
بدا واضحا للمتابعين ولعموم الشعب أن المقصود هو بنكيران، من أجل دفعه لإعلان فشله ثم التواري بعيدا، وظهر أن البلوكاج كائنا من كان وراءه، ما هو إلا انقلاب على شرعية الصناديق، وسعي لإفشال تجربة بنكيران كتجربة، وإنهائه كزعيم.
بنكيران سواء كشخصية وزعيم، أو كممثل لتجربة ومشروع، استنفذ أغراضه، بنهاية زلزال الربيع العربي وهزاته الارتدادية، استعمل بقصد إرسال رسائل للداخل والخارج، وبغرض احتواء الأوضاع وتسكينها، وبغرض تدبير الملفات الحارقة، لكن في نفس الوقت كان هذا الاستعمال مغامرة من الدولة، قد تكسب حزب بنكيران القوة والتجربة والمصداقية والثقة والأتباع والجماهير، وهو ما حصل فعلا، وكانت ولاية ثانية كافية لترسخ التجربة جذورها في تربة السياسة المغربية، وتقطف ثمار مشاريعها.
عوامل داخلية وأخرى خارجية إقليمية وعربية، أهمها محاصرة التيار الإخواني والإسلامي عموما وشيطنته، عجلت بإنهاء التجربة في صورتها البنكيرانية فكان البلوكاج وما سبقه وما تلاه.
بعد تشكيل الحكومة في نسختها الثانية، انطلقت عملية تصفية تركة بنكيران، كانت الخطب الملكية في الفترة الأخيرة مشحونة بالرسائل لمن يهمهم الأمر، وكان واضحا أن لبنكيران نصيبه منها، الإعفاءات التي طالت عددا من الوزراء والمسؤولين، والغضبة التي لحقت آخرين، كلها لا تخرج عن محاسبة تجربة بنكيران، وقص أجنحة حلفائه.
إصرار بنكيران على انتقاد الدولة بلغة ظاهرها الوصف لواقع قائم، وباطنها إرسال الرسائل المشفرة، كالقول أن الذي يحكم في البلاد هو الملك، وأن الحكومة لا تملك من الأمر شيئا، وأن رئيس الحكومة أحيانا لا يعلم بأمور كثيرة، وأن صلاحياته محدودة، لأن الحكومة مجرد مكون من مكونات الدولة التي يقودها الملك، وغيرها من الرسائل، وإصرار جناحه على التمديد له سنة على رأس الحزب، وعلى انتخابه لولاية ثالثة، كل هذه الأمور جعلت منه شخصا مزعجا، تشحذ له السيوف وتنصب له المشانق، حتى من داخل حزبه، فكان ما سمي بالزلزال السياسي، الذي كانت بوادره واضحة في الخطب الملكية.
الإعفاءات التي طالت عددا من المسؤولين، رأى فيها البعض، محاكمة لحكومة بنكيران وتجربته، وفي الوقت الذي نال حلفاء بنكيران النصيب الأوفر من الغضبة الملكية، لم يلحق خصومه ومناوؤوه من داخل الحزب ومن خارجه أي سوء.
وهكذا بدا واضحا جليا أن بنكيران وتجربته، كانت هي المقصودة بالبلوكاج وما تلاه من زلزال، لاتزال ارتداداته وارتجاجاته تحدث المفاجآت، لعل آخر ما ستسدل عليه الستار هو إبعاد بنكيران عن قيادة الحزب، لينتهي هذا المسلسل، وتطوى ملفاته.