الدكتور مصطفى بنحمزة يكشف بطلان مستندات الداعين إلى المساواة في الإرث إعداد: مصطفى الونسافي

«إلزام المرأة بالإنفاق وربط الزواج بسوق الشغل ليس في صالح المرأة، وهو لا يمثل خدمة جيدة تقدم لها، وإنما هو إحراج لها وتضييق لفرص تكوينها للأسرة خصوصا في أزمنة وبيئات ترتفع فيها نسب البطالة، ويكون حظ المرأة منها أوفر»

قال الدكتور مصطفى بن حمزة، رئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة وجدة، في أول رد علمي مفصل على دعوة بعض السياسيين في المغرب إلى المساواة بين الجنسين في الإرث، (قال) إن تلك الدعوة استندت إلى ثلاث ركائز، إحداها ما ذكره الطاهر الحداد في «امرأتنا في الشريعة والمجتمع» من أن «المرأة أصبحت مالكة للمال، وأنها أصبحت منفقة على الأسرة، فزال بذلك مسوغ تفضيل الرجل عليها في الإرث»؛ والثانية «وجوب تطبيق المساواة بين الرجل والمرأة كما أقرها الدستور المغربي لسنة 2011»؛ والأخيرة «وجوب تنفيذ مبدأ المساواة الذي نصت عليه المواثيق الدولية ووقع عليها المغرب».
وعن المستند الأول أكد الدكتور بنحمزة أن الحديث عن تطور الوضع الاقتصادي للمرأة يعطي الانطباع بأنها «كانت في الماضي منسحبة عن الحركة الاقتصادية، وأنها كانت فقيرة عالة على الرجل، وبالتالي لم تكن تمتلك المال ولم يكن بإمكانها أن تسهم في الإنفاق على الأسرة، وهو ما اعتبر مبررا لتفضيل الرجل على المرأة بحكم اختصاصه بالإنفاق».
وفي هذا التصور مغالطة كبيرة، ليس فقط من منظور المهتمين بالشأن من داخل الصف الإسلامي، بل إن «باحثين من خارج الدائرة الإسلامية أنجزوا عددا هائلا من البحوث العلمية تناولوا فيها وضع المرأة الاقتصادي والاجتماعي في العالم الإسلامي، مثلما تمثله مجموعة البحوث التي شارك بها 23 من المختصين في تاريخ المرأة، وصدرت بعنوان: «المرأة في العصور الوسطى الإسلامية»، بإشراف «غافن هامبلي» عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر. وأبرزت هذه البحوث مكانة المرأة في المجتمع ودورها في النشاط الاقتصادي والسياسي».
وأضاف بنحمزة -في مقال مطول نشره موقع هوية بريس- قائلا: «إن القول بانسحاب المرأة من الحياة الاقتصادية يحتاج إلى أن يمحص على ضوء الواقع الاجتماعي الذي عاشته المرأة في المجتمعات الإسلامية، وهو واقع يثبت أن المرأة كثيرا ما كانت في صلب النشاط الاقتصادي، وأنها قد امتلكت المال بسبب استفادتها من الإرث أولا، ومن الوقف، ومن سائر التبرعات، ومن أكرية العقارات، وغلال الحقول التي تملكها، ومن عائد أنشطتها الاقتصادية كتربية المواشي، واشتغالها في مصالح الغير، وقيامها بأعمال النسج والتطريز للأقمشة الفاخرة وللألبسة العادية، ونسجها للزرابي الثمينة واستحقاقها أجرة الحضانة والإرضاع وغيرها من الموارد.
وقد كان للمرأة في المغرب نشاط اقتصادي كبير ومواز لنشاط الرجال، فكانت المرأة تمارس التجارة من خلال عرض المنتجات والأثواب والحلي في البيوت، ولا زالت النساء الدلالات يمارسن أعمالهن بكثير من النشاط، وكان للنساء في بعض مناطق المغرب أسواق خاصة بهن لا يرتادها الرجال، ولهن إلى الآن حرف لا يزاحمهن عليها الرجال مثل نسج بعض الأثواب والجلابيب الأنيقة والفاخرة، وقد تميزت المرأة في المجتمعات الإسلامية بامتلاكها الذهب والحرير دون الرجال، لأن الإسلام يحرمهما على الذكور وهما من أغلى المقتنيات للأسرة، ومن الصعوبة إحصاء المهن النسائية لكثرتها وتنوعها.
وقد ظلت المرأة تحرص على الحفاظ على ثروتها عن طريق شراء الذهب وتجميعه واتخاذه أساور أو عقودا أو قلائد أو أحزمة ذهبية، وكثيرا ما كانت ترغب في إظهار هذه الثروة المتنقلة في المناسبات الاجتماعية، لتثبت اسمها ضمن لائحة النساء الثريات الموسرات.
وبسبب امتلاك المرأة للمال وللثراء في بعض الأحيان، فإنها قد تمكنت من بناء كثير من المساجد ابتداء من مسجد القرويين الذي بنته فاطمة الفهرية، كما بنت أختها مريم مسجد عدوة الأندلس. وفي المغرب مساجد ومبرات وأوقاف كثيرة تبرعت بها النساء، ولا زال بعضها يحمل أسماء النساء المتبرعات، وهذا يدل على أن المرأة كانت مالكة للمال».
ومن باب الإلزام اعتبر الدكتور بنحمزة أن الدعوة إلى تسوية المرأة بالرجل في الإرث تستلزم بالمقابل سن قوانين تلزم الزوجة بالإنفاق على الزوج والأولاد «فتغير المادة 102 -من مدونة الأسرة- التي تمنح الزوجة وحدها الحق في طلب التطليق بسبب إخلال الزوج بأداء النفقة الواجبة عليه، ويصير من حق الزوج هو أيضا أن يطالب بطلاقها وتحميلها تبعاته بسبب عدم إنفاقها على الأسرة، كما يجب تغيير جميع أحكام الباب الثاني المتعلق بالنفقة على الزوجة، فيجب تعديل المادة 201 التي توجب على الزوج أداء واجب الإرضاع، ويجب أيضا إعادة النظر في جميع أحكام إهمال الأسرة إذا وجب الإنفاق على الزوج والزوجة معا على حد سواء، وفي تلك الحالة يمكن أن يطالب الزوج زوجته أمام المحاكم بالإنفاق، وإلا فإنها تجبر على ذلك بالإكراه البدني كما يجبر الرجال حاليا حينما لا ينفقون على أسرهم، أما في ما سوى ذلك، وفي حال ما إذا لم تغير هذه النصوص فإن إنفاق المرأة يظل فعلا تطوعيا غير لازم يخضع لمشيئة المرأة إن شاءت أنفقت، وإن شاءت امتنعت، إذ لا وجود لنص قانوني يلزم بالإنفاق، وبالتالي لا يمكن أن يغير حكم شرعي ثابت بوضع غير قانوني ولا ثابت.
ومن متطلبات القول بإلزام المرأة بالإنفاق على الأسرة أن يراعى ذلك حين إبرام العقد، على نحو ما يشترط في الرجل امتلاكه قدرة مالية تمكنه من الإنفاق على الأسرة قبل إبرام العقد. حتى لا يتعرض للتطليق بسبب الإعسار.
ومن مقتضى إلزام المرأة بالإنفاق، أن لا يكون من حق أي امرأة لا زالت طالبة أو عاطلة عن العمل أن تكون زوجة ما دامت غير قادرة على الإنفاق، كما لا يحق لمن تصاب بمرض مزمن أو تعويق جسدي أن تستمر زوجة، لأنها قد لا تستطيع الإنفاق الذي أعفاها الإسلام منه، وأراد بعض الناس إلزامها به. توصلا إلى إلغاء حكم شرعي هو حظها من الإرث لا غير».
ليخلص بناء على ما سبق للقول بأن «إلزام المرأة بالإنفاق وربط الزواج بسوق الشغل ليس في صالح المرأة، وهو لا يمثل خدمة جيدة تقدم لها، وإنما هو إحراج لها وتضييق لفرص تكوينها للأسرة خصوصا في أزمنة وبيئات ترتفع فيها نسب البطالة، ويكون حظ المرأة منها أوفر».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *