يطلق اليهود على القدس اسم (يورشلايم) أو (أورشليم)، أي: مدينة السلام، التي سيقودون العالم منها تحت قيادة (ملك السلام)! هكذا نسبوا للتوراة.
ففي التوراة كلام كثير بخصوص هذه المسألة، حيث ذُكرت فيها نحواً من ستمائة وثمانين مرة، ويطلق اليهود على القدس أيضاً (صهيون) نسبة إِلى الجبل الموجود فيها والمسمى بهذا الاسم الذي انتسبت إليه الحركة الصهيونية، ويطلقون على القدس أيضاً -كما في التوراة- (مدينة الإِله) و(مدينة العدل) و(مدينة الحق) و(مدينة الشعب المختار) وأيضاً يطلقون عليها (أريئيل) يعني: أسد الله.
وكل هذه المعاني تشير إِلى مغزىً واحد، وهو ارتباط تلك المدينة بالعقيدة والشريعة اليهودية؛ حيث فرضت تلك الشريعة على اليهود أن يحجوا إِليها ثلاث مرات في العام، وأن يتوجهوا إِليها دون أرضٍ غيرها في العالم.
وحيث شُرِّد اليهود عن تلك الأرض، ودُمِّر المعبد المُتخَذ قِبلةً فيها دون أن يستطيعوا العودة إِليها أو إِعادة معبدها عبر ألفي عام، فهل يَسهُل عليهم بعد أن عادوا إِليها أن (يتنازلوا) عنها كلها أو بعضها لقوم آخرين يريدون أن يتخذوها عاصمة؟
هل سيقدِّم اليهود هذه المدينة التي انتزعوها بالدم والدمع -كما يقولون- لقومٍ أضاعوها في أيام، بعدما حفظها أجدادهم طيلة قرون؟!
إِن المدينة التي يحتفل اليهود الآن بذكرى مرور ثلاثة آلاف عام على بنائها، لا تقبل في تصورهم أن تقسم بينهم وبين غيرهم ما دامت قد وقعت في قبضتهم. والذين يتصورون أن اليهود سُيفرِّطون في القدس أو في أحد شطريها، لصالح المسلمين، يعيشون وهماً كبيراً، وهم مخدوعون أو مخادعون!
فالقدس في معتقد اليهود كلٌّ لا يتجزأ، فهم لا يعترفون بتقسيمها إلى غربية لليهود وشرقية للمسلمين، بل هي مدينة واحدة موحدة، تقبل الزيادة ولا تقبل التجزئة، وفي التلمود أن: “القدس ستتوسع في آخر الزمان حتى تصل إِلى دمشق، وسوف يأتي المنْفِيُّون ليقيموا خيامهم فيها” (انظر الكنز المرصود في أسرار التلمود).
وللقدس مكانة مستقبلية في التراث الديني اليهودي، فهي ستكون عاصمة لمسيح الخلاص الآتي من نسل داود، ولهذا يطلقون عليها (الشخيناه) أي: الملكوت الذي سيتنعم منه العالم.
جاء في “الأجاداة: الجانب القصصي الشفوي في التلمود، في مقابل الجانب التشريعي المدون”: “سيأتي اليهود إِلى القدس وسيأخذونها، وستمتلئ حدودها بالثروة”.
وفي تفسير التوراة صَّورت (القبالاة) (أورشليم) وكأنها المكان الذي سيفيض بالخير من السماء، ومنها يوزع على بقية العالم! (القبالاة: هي مجموعة التفسيرات الباطنية (المقبولة) للتوراة، باعتبار أن كل كلمة منها وكل حرف ونقطة تحوي سراً داخلياُ عندهم، لا يمكن فهمه إِلا بالتأويلات الباطنية).
ومن اللافت للنظر -أيضاً- أنهم يعتقدون بمقتضى (القبالاة) أن القدس ستعلو أسوارها حتى لا تصل إِليها (قوى الظلام)! وستكون مكاناً مناسباً لتهيئة اليهود وإِعادتهم إِلى التقوى!