الأزهـر عبـر 11 قرنا

في العهد الفاطمي
لم يكن الأزهر عند نشأته معهداً للدرس أو جامعة يتخرج منها طلاب العلم، بل كان مسجداً رسمياً للدولة الفاطمية ومركزاً لدعوتها الدينية.
فقد أمر جوهر الصقلي بقطع الدعوة للخلافة العباسية وأمر بإضافة عبارة «حيّ على خير العمل» إلى الأذان. وعندما قدم الخليفة المعز لدين الله إلى القاهرة أقيمت في الأزهر أول صلاة للجمعة في السابع من رمضان سنة 361هـ/ 972م، كما أقيمت أول حلقة للتدريس في عهد المعز أيضاً سنة 365هـ/975م تولاها قاضي القضاة أبو الحسن علي بن النعمان القيرواني وقرأ فيها كتاب أبيه المسمى «الاختصار» في الفقه الشيعي.

في العهد الأيوبي
وفي العهد الأيوبي أمر السلطان صلاح الدين بإزالة الشعائر الفاطمية، وفقد الأزهر مكانته الخاصة التي كانت له في العهد الفاطمي.
ومع ذلك بقيت له الصبغة الجامعية وقصده مشاهير العلماء، منهم الطبيب عبد اللطيف البغدادي وقد تولى تدريس المنطق وعلم الكلام والبيان والطب.
وشهد الأزهر أيضاً نشاطاً فكرياً للمتصوفة من أمثال ابن الفارض وأبي القاسم المنفلوطي والمؤرخ ابن خلكان صاحب كتاب “وفيات الأعيان”.

في عهد المماليك
وعندما آل الحكم إلى المماليك عادت صلاة الجمعة إلى الأزهر بعد توقف استمر نحو مئة عام من 567 إلى 665هـ/1174 إلى 1269م وسعى في ذلك الأمير عز الدين أيدمر الحلّي نائب السلطان. ورتب كذلك درساً لقراء الفقه الشافعي واسترد للأزهر الكثير من أوقافه.
وكان لسلاطين المماليك الظاهر بيبرس وقايتباي وقانصوه الغوري أثر مهم في تشجيع أهل العلم ورفع شأنهم. وعرفت في الأزهر في هذه الحقبة وظيفة التصدير (الجلوس في صدر مجلس العلم) ومنح الإجازات العلمية. ومع كثرة ما شيّد الأيوبيون والمماليك من المساجد والمدارس فقد بقي الأزهر يستقطب العلماء وطلبة العلم.

بين فترتي غزو المغول وسقوط الأندلس
وزادت أهمية الأزهر في العالم الإسلامي عندما دمّر المغول كثيراً من المراكز العلمية في البلاد العربية والإسلامية. ومنذ بدأ زحفهم في القرن السابع هجري/الثالث عشر ميلادي، إضافة إلى ما دمره الصليبيون وأخذوه من بلاد الشام.
وفي أعقاب سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس قام الإسبان بتدمير التراث الفكري العربي الإسلامي وإحراقه كما أنهم قتلوا وشردوا نحو ثلاثة ملايين من العرب المسلمين فتحولت معاهد الأندلس إلى الأزهر.
بلغ الأزهر في القرن التاسع هجري/الخامس عشر ميلادي، أوجه عندما حفلت مصر بجمهرة من أعظم علمائها ومفكريها منهم الحافظ بن حجر العسقلاني وأبو العباس القلقشندي صاحب كتاب «صبح الأعشى»، وتقي الدين المقريزي صاحب «الخطط» المشهورة، وشمس الدين السخاوي صاحب «الضوء اللامع».
كما وفد إلى مصر في هذه الحقبة الفيلسوف والمؤرخ ابن خلدون فعقد مجالس العلم في الأزهر ودرس عليه كبار العلماء المصريين وعرض عليهم نظريته المشهورة في العمران ونشأة الدول التي وردت في مقدمته. وجاء من بعده إلى مصر العلامة المغربي الشهير تقي الدين الفاسي.

في بداية العهد العثماني
عندما دخل العثمانيون مصر، وكانت هذه قد خسرت مركزها الاقتصادي العالمي بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح، بدأ تيار الحضارة يضعف ولاسيما الحياة الفكرية. غير أن العثمانيين نظروا إلى المؤسسات الإسلامية وفي مقدمتها الأزهر نظرة الاحترام والإجلال واستقدمت اصطنبول عدداً من علمائه للإفادة من علمهم ومكانتهم.
وأشهر الذين برزوا من علماء الأزهر: نور الدين علي البحيري، وشهاب الدين السنباطي، وعبد الرحمن المناوي، والإمام شمس الدين الصفدي المقدسي الشافعي، والإمام إبراهيم البرماوي (أحد شيوخ الأزهر)، والشيخ حسن الجبرتي الجد الثاني للمؤرخ عبد الرحمن الجبرتي.

في عهد الحملة الفرنسية
وفي المدة القصيرة التي أمضتها الحملة الفرنسية في مصر (1213-1216هـ/1798-1801م)، وعلى الرغم من مقاومة الأزهر للاحتلال الفرنسي، لم يمنع ذلك علماء الأزهر من الاتصال بعلماء الحملة ومن بين من قام بذلك الشيخ حسن العطار (شيخ الأزهر) الذي وقف على كثير من الفوائد العلمية الحديثة، وقد عُرِّبت الكتب العلمية الأجنبية؛ ولاسيما ما يتصل منها بالعلوم الهندسية والطبيعية.

في عهد محمد علي
وعندما تولى محمد علي مصر سنة 1220هـ/1805م اتجه نحو الاستفادة من العلوم العصرية الحديثة وتقدمت مصر في زمنه فكرياً وعلمياً، وبقي الأزهر في معزل عن هذا التحول، فأصابه الركود وضعف تأثيره وهيبته، غير أن محمد علي اختار طائفة من نوابغ الأزهر مثل رفاعة الطهطاوي وإبراهيم النبراوي وغيرهما وأوفدهم في مقدمة البعثة العلمية إلى باريس سنة 1242هـ/1826م.

في عهد الخديوي إسماعيل
وفي عصر الخديوي إسماعيل ظهر تأثير الحركة الإصلاحية الجديدة فقد أيقظ جمال الدين الأفغاني الذي وفد إلى الأزهر المشاعر والعقول وحرر الفكر من الجمود الذي ران عليه وبذلك عاد إلى الأزهر نشاطه وتأثيره.
لم يكن للأزهر قبل عهد إسماعيل شهادات دراسية تمنح للطلاب إلا الإجازات التقليدية التي كان يمنحها كبار العلماء للمتفوقين، وقد أحقّت هذه الإجازات حامليها ممارسة التدريس والإفتاء.
وفي عهد إسماعيل صدر أول قانون تنظيمي للأزهر وأوضح الأسس التي يمكن بموجبها نيل الشهادة العالمية وقد جُعلت على ثلاث درجات. وتضمن هذا القانون المواد العلمية وهي: علم الأصول والفقه والتوحيد والتفسير والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق.

في عهد الخديوي عباس
وفي عهد الخديوي عباس الثاني شهد الأزهر خطوة إصلاحية قادها الشيخ محمد عبده وقد شملت إعادة النظر في شؤون التدريس ونظام الأروقة والمرتبات والدرجات العلمية، كما أضيفت مواد دراسية جديدة هي مصطلح الحديث والأخلاق والحساب والجبر والعروض والقافية. وجُعلت مواد التاريخ الإسلامي ومتن اللغة والإنشاء ومبادئ الهندسة وتقويم البلدان، مفضلة في حال توافر المشتغلين بها على غيرهم.

في عهد الملك فؤاد
وفي عهد الملك فؤاد الأول صدرت عام 1348هـ/1930م تعديلات جاء فيها تحديد لكليات التعليم العالي وأقسام التخصص. فالكليات ثلاث هي: كلية الشريعة وكلية أصول الدين وكلية اللغة العربية.
وأما التخصص فهو على نوعين: أحدهما في نوع المادة والثاني في نوع المهنة. وكذلك قسمت مراحل التعليم في الأزهر إلى أربع: ابتدائية ومدتها أربع سنوات وثانوية ومدتها خمس سنوات وعالية ومدتها أربع سنوات وهي الدراسة في إحدى الكليات المشار إليها.

في العصر الراهن
وفي الحقبة الأخيرة دخلت الأزهر الأساليب الحديثة وأصبح الدرس في قاعات مخصصة مزودة بالمقاعد والسبورة ومنبر الدرس ووسائل الإيضاح وأصبح تدريس المواد العلمية التجريبية في المخابر. ولا يختلف الأزهر اليوم عن الجامعات الحديثة، ويُستثنى من ذلك بعض الحلقات التي مازالت تقام في المسجد وغالباً لتدريس علوم القرآن والحديث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *