الحرب على القرآن الكريم حرب قديمة حديثة؛ بدأت منذ البواكير الأولى لنزول الوحي؛ واندلعت نارها من أول مواجهة مع الوثنية؛ وسجل القرآن الكريم الجولة الأولى من هذه الحرب، واستمرت المعركة تشتد حينا وتهدأ آخر؛ ومن الهجمات الشرسة التي تعرض لها القرآن زمن الحروب الصليبية تأليف بعض المستشرقين كتابا بعنوان: (دحض القرآن الكريم)، كما قاموا بترجمة ألفاظ القرآن الكريم (وليس معانيه) إلى اللغة اللاتينية كمدخل إلى التحريف والتشويه؛ وماتت كل هذه الجهود بحمد الله تعالى وبقي القرآن الكريم مصونا محفوظا عن كل سوء.
والهجمة المعاصرة على القرآن الكريم أشد ضراوة من كل ما سبق، فقد استغلت لتحقيق هذا المقصد الأثيم التكنولوجيا الحديثة؛ والإعلام بشتى أنواعه؛ وتبنت دول “عظمى” مشاريع كبرى لتحريف القرآن الكريم، كالقرآن المزعوم الذي قامت بتأليفه أمريكا بعنوان “الفرقان الحق”. والمدهش في كل هذا أن القرآن الكريم هو الذي انتصر وسينتصر في جميع المعارك التي يخوضها، لسبب بسيط وهو البون الشاسع الذي يفصل بين كلام الله تعالى الذي جعله هداية ورحمة وطمأنينة لمن لاذ وآمن به؛ وبين تخريف البشر وزيفهم. (انظر كمال اللغة القرآنية؛ د.محمد داود).
وأغلب المطاعن التي توجه للقرآن اليوم منقولة من كتب الزنادقة والمستشرقين القدامى؛ كابن الراوندي وكورلد زيهر وغيرهم؛ وغاية ما في الأمر أن الطاعنين المحدثين نقلوا الشبه نفسها وألبسوها لبوس (البحث الأكاديمي) و(المنهج النقدي للنصوص التراثية)؛ مع المبالغة والتنويع في عرض الشبه حتى يهيأ للناظر إليها أنه أمام العشرات بل المئات من الشبهات؛ علما أن مردها جميعا إلى أصل واحد.
وهي شبهات ومطاعن مفتراة مكذوبة لا أصل لها من الصحة، ولا أساس لها من الواقع، وإنما هي محض أوهام بل أضغاث أحلام، جاءت من قلب حاقد أو امرئ جاهل؛ لأن الله تعالى يقول: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت: 42)، فما كان لنا أن نكذب ربنا ونصدق ملحدا حاقدا أو مجادلا جاهلا، وهذه القضية في غاية من الأهمية؛ إذ أن كل من تأثر بالمستشرقين من المعاصرين لا تجد عنده إيمانا صحيحا بكتاب الله تعالى.
إنه لما كان كتاب الله تعالى محفوظة ألفاظه بحفظ الله لها؛ توجهت الغارة اليوم إلى معانيه ومراميه؛ فأجلب الطاعنون بخيلهم ورجلهم على التفسير وأسفاره المباركة؛ وأصوله وقواعده المقررة، يرومون من وراء هذا الكيد تغيير دلالات القرآن العظيم؛ وهيهات؛ ويسعون -بزعمهم- لصياغة أصول محدثة لتفسير كلام رب الأرض والسماوات؛ ولما استبان للعلماء المعاصرين خبث قصدهم؛ وشؤم خطتهم؛ وباطل سعيهم؛ قاموا ينفون عن كتاب الله تحريف المبطلين ويردون تأويل المضلين؛ ويعيدون الحق إلى نصابه؛ فلله درهم وعليه أجرهم.
وقد صنف جمع من الأساتذة والباحثين كتبا نافعة في هذا الباب؛ منها العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التغريب لمحمد حامد الناصر، وأساليب المجرمين في التصدي لدعوة المرسلين وعاقبة ذلك في ضوء القرآن لمحمد المسند، والعلمانيون والقرآن الكريم للدكتور إدريس الطعان، وتهافت القراءة المعاصرة للدكتور محامي منير محمد طاهر الشواف، وأقطاب العلمانية في العالم العربي لطارق منينة، والانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها دراسة نقدية شرعية للدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، وكمال اللغة القرآنية بين حقائق الإعجاز وأوهام الخصوم، والتيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم عرض ونقد لمنى محمد بهي الدين الشافعي.
من الكتب النافعة في هذا الباب كتاب الباحثة والأستاذة الفاضلة منى محمد بهي الدين الشافعي؛ وهو أطروحة ماجستير؛ كلية الدراسات الإسلامية والعربية -بنات- بجامعة الأزهر بالقاهرة؛ أسمتها: التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآن الكريم؛ عرض ونقد.
وقد أجادت صاحبة الكتاب الأخير وبينت من خلال مقدمة وأربعة أبواب هدف العلمانيين من الخوض في التفسير، والشبهات التي يثيرونها حول القرآن الكريم؛ وموقفهم من مناهج علم التفسير؛ وتهافت أقوالهم في هذا المجال؛ وإن كان أغلب من نقلت عنهم مصريون؛ إلا أن الأمر لا يختلف كثيرا لأن مشرب العلمانيين واحد كما هو معلوم.
ونظرا لأهمية الكتاب والمادة العلمية الجيدة المضمنة فيه ارتأينا أن نعتمد منه مادة هذا الملف.