الثورة.. بين حق المستضعفين وتآمر المتربصين حماد القباج

ألـقاه فـي اليـم مـكـتوفا وقـال لـه   إيـاك إيـاك أن تـبتـل بالـــماء

هذا هو حالنا مع أولئك الذين اعتلوا منابر الوعظ والإرشاد؛ ليلقوا علينا دروسا في ضرورة تحقيق المزيد من الإنجازات في مجال التنمية وحقوق الإنسان..
وحقيقة موقفهم توظيف مغرض لما يجري في البلاد الإسلامية من ثورات، واستغلال وضيع لمواقف البؤساء المقهورين..
والقصد ظاهر؛ وهو الاستمرار في تأليب الشعوب ضد أنظمتها، تمهيدا لرسم خريطة لعالم إسلامي أكثر تمزقا وضعفا، مع استمالة تلك الشعوب لتجدد الثقة في الغرب الغيور على حقوقها!!
أجل؛ بعد أن استعمرونا بالحديد والنار، وقتلوا منا الآلاف..
وبعد أن أحكموا قبضتهم على مفاتيح التعليم والاقتصاد، فخربوا العقول ونهبوا الخيرات..
وبعد أن فرضوا على كثير من الدول عملاء ومستبدين يطبقون توجيهاتهم حذو القذة بالقذة..
وبعد انحياز سافر إلى كل من يهدد وحدة الدول الإسلامية..
بعد هذا كله؛ يقفون موقف الناصح المشفق!
الاتحاد الأوروبي على لسان مفوضه لشؤون التوسيع (ستيفان فول) يصرح بنبرة تهديدية: “إنه يتوجب على المغرب أن يسهر على توزيع مكاسب التنمية الاقتصادية على جميع الشعب المغربي”.
مشيرا – خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري- إلى دروس التطورات الجارية في تونس ومصر، ولافتًا إلى أن زيارته للمغرب تأتي بعد أسابيع من الإطاحة بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي!
وكان الواجب على الاتحاد الأوروبي أن يقنع جبهة البوليساريو بإصلاح الأوضاع المأساوية في مخيمات تندوف، بدل أن ينفخ في نار الفتنة، ويعزف على وتر التهديد؟!
وكان عليه أن يعدل في مواقفه من وحدة السيادة المغربية ويترك الانحياز غير المسوغ للانفصاليين[1]، قبل أن يأمر المغرب بالعدل في تقسيم الثروات ..
وهكذا انبعث متربصو الجزائر وإسبانيا لينفسوا من ضغط كراهيتهم ويخرجوا مكنون أضغانهم، بالتنبؤ بمستقبل دموي ينتظر المغرب ..
ولم يتأخر دور الفاشلين ..؛ كذاك القبطان (الدونكيشوتي) الذي نشر (بلاغا ثوريا)! مطلع هذا الشهر دعا فيه القوات المسلحة الملكية للانقلاب على الملك، وكذاك الرويبضة المغمور الذي يطلب الشهرة بالعزف على قيثارة الثورة والحقوق، وأعلن يوم 20 فبراير موعدا للثورة المغربية!
ويؤسفنا حقا أن يشارك ابن عم الملك -بقصد أو بغير قصد- في دعم هذا التوجه التخريبي، بينما كان التعقل وتقديم المصلحة العامة يقتضي منه أن يلجم صحافة الفتنة وينأى بنفسه أن يكون من دعاة الشقاق، أو على الأقل أن يتحفظ في تصريحاته التي استغلتها (البوليساريو) أبشع استغلال..
أما (الإسلاميون) الذين يسعون لإثارة الفتنة؛ فنذكرهم بالله، وبضرورة لزوم المناهج الشرعية للإصلاح، وأن لا يشاركوا في فتح باب دمار يصعب إغلاقه ..
إن الإصلاح ضرورة حتمية وحاجة ماسة؛ إلا أن التواقين له ينبغي أن يحذروا من جعل هذا الهدف السليم في ذاته؛ مدخلا إلى شر مستطير:
نريد الإصلاح .. لكن ليس على حساب وحدتنا.
ونريد الإصلاح، لكن عن طريق مواصلة البناء، وليس من خلال هدمه بزعم إعادة بناء، الله أعلم هل ينطلق أولا؟
ولا نريد إصلاحا محتملا على حساب أمن واستقرار قائمين.
ولا نريد إصلاحا يخرب أمننا ليبني أمن الدولة الصهيونية التي سرعت من خطواتها نحو مشروعها الذي تؤمن به أكثر من إيمان العلمانيين بخالقهم ودينهم.
مشروع إسرائيل الكبرى الذي بدأت معالمه تظهر على الأرض؛ (تضاعف حجم الاستيطان / استقلال جنوب السودان / زعزعة الاستقرار في مصر /  احتلال العراق …إلـخ).
.. إن مما يحز في النفس ويحفر فيها بئرا عميقا من الحزن؛ أن نرى معاناة المسلمين المستضعفين وسيلة تتلاعب بها أيدي المكر الصهيوني، وتستغلها في مخططاتها الرهيبة التي ينبغي أن ينضج وعي المسلمين بها، مما يجعلهم حذرين من كل أنواع التوظيف المغرض والتسخير الخبيث.
وعمق الحزن يزداد حين نرى العدو قد وفق لإقناع أعيان من النخبة بأنه لا مؤامرة، وبأن الغرب لا يريد بنا إلا الخير، وبأن أصحاب (نظرية المؤامرة) يعانون من عجز فكري وعدم قدرة على الفهم والتحليل فيلجؤون إلى تفسير الأحداث بناء على نظرية المؤامرة!!
إن مما ينبغي أن تجتمع عليه كلمة المغاربة اليوم أكثر من أي وقت مضى؛ هو قول: لا لدعاة الفتنة والفوضى، واستئصال هذه الدعوة من جذورها، وعلى جميع المغاربة أن يوحدوا جهودهم لتفويت الفرصة على الفتانين والخفافيش التي لا تتحرك إلا في الظلمات:
وعلى المستغربين المأجورين أن يبحثوا على مصادر شريفة للاسترزاق بدل المتاجرة بأمن هذا البلد واستقراره.
على المسؤولين الذين تلطخت ثيابهم بنجاسات الفساد أن يتوبوا من سلوكهم المنحرف، وأن يعلموا أنهم بالاستمرار عليه إنما يخربون بيوتهم بأيديهم، ويعرضون السفينة إلى الغرق، وسيكونون -في تلك الحال- أول من سيغرق من ركابها.
كفاهم جشعا ونهبا لحقوق الغير وأكلا لأموال الناس بالباطل، كفاهم ظلما واستبدادا واستغلالا للسلطة للقهر والقمع بغير حق.
كفاهم زجا بمصالح المواطنين في أوحال الصراعات الحزبية العنيفة، والأطماع المادية الدنيئة.
كفاهم تخريبا لدين الأمة وعبثا بأخلاقها وقيمها.
كفاهم زهدا في الشريعة الربانية ولهثا وراء سراب العلمانية ..
إن إنكارنا لأنواع الفساد والانحراف التي وقع فيها كثير من المسؤولين؛ لا ينبغي أن ينسينا عيوبنا نحن أيضا.
بل الواقعية والإنصاف يقتضيان منا أن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسبهم؛ فالمواطن الذي كافح وحصل شهادة تؤهله لوظيفة؛ من حقه أن يطالب بتلك الوظيفة، ومن حقه أن ينكر المحسوبية وإسناد الوظائف لغير المستحقين، لكن في المقابل لا ينبغي له في حال كونه فاشلا في دراسته أو مفرطا في عمله أن يمسح فشله في الفوضى وإثارة القلاقل ..
ولا ينبغي لمن أصيب بداء الجشع ولم يقنع بما يسد حاجته أن يهدد الاستقرار طمعا في المزيد ..
ولا ينبغي لمن أصيب بعشق السلطة أن يتسلق إليها على ظهور البؤساء ..
ولا ينبغي لمن فاته نصيبه من كعكة الانتخابات أن يشعل نار الثورات، لِيَلْتهم من سحت طعامها –إن بقي له منها شيء!-
.. وعلينا قبل كل شيء؛ أن نحاسب أنفسنا على ما فرطنا فيه مما كان سببا جوهريا لسوء أحوالنا وتردي أوضاعنا؛ تفريطنا في ديننا وحق خالقنا الذي وعدنا بالعيش الكريم إذا استقمنا كما أمرنا:
{وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا}
{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض}
{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}
{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
فإصلاح أنفسنا هو الحل وليس الدعوة إلى ثورة عمياء وفتنة صماء، مجهولة العواقب، يركبها العدو ليزيدنا وهنا على وهن..
إن تغييب البعد الإيماني والإرشاد الرباني في علاج قضايانا؛ يضطر كثيرا من المسلمين لتقليد من لا خلاق لهم واتباع مناهجهم ووسائلهم في التغيير والإصلاح، وينسون أن لهم ربا يجيب المضطر إذا دعاه، ويقتص من ذي الظلم للمظلوم، وأن لهم دينا يضمن حقوقهم، وشريعة تنظم شؤونهم وتوفر لهم حياة أمن واستقرار ورخاء وعدل، لا يحتاجون معها لإملاء كائد ولا لثورة مكلوم أو فاشل فاسد..
نظن أن سعادتنا في الحرية المطلقة وننسى أنها في العبودية لله رب العالمين، ونلتمس العدل في الديموقراطية وننسى أنه في الشريعة..
ونشك في وعد خالقنا، ونقدس وعد الأمم المتحدة والمواثيق الدولية..
ونسخر من الدين والحلول الشرعية، ونلهث وراء سراب الديمقراطية..
وهكذا نبقى كالشاة المترددة بين قطيعين، ثم تميل إلى نعيق من أحَدّ شفرة لذبحها..

[1]  لم يجف بعد مداد بيانه المنحاز حول أحداث مخيم العيون، حتى تعالت الأصوات بإعادة النظر في اتفاقية الصيد البحري مع المغرب، لأنها تشمل الشواطئ الصحراوية!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *