صحافة صفراء وحقد أسود مصطفى الحسناوي

علمنا أساتذتنا في أول دروس الصحافة أن على الصحفي أن يتجرد من الذاتية في نقل الخبر، وأن لا ينحاز أو يعلق أو يؤول فضلا عن أن يكذب ويفتري، وذكروا لنا أن عدم التزام هذه القواعد هو ما أخر الصحافة في بلادنا، وأنها لا تزال في مراحلها المتقدمة، وأن باكورتها الأولى، كانت صحافة رأي وصحافة حزبية وصحافة لوبيات ومصالح، فكانت أبعد ما تكون عن الصحافة بمعناها الإخباري، ودرَّسونا أن من القواعد التي يجب أن ينضبط بها الصحفي كي يكون ناجحا: الصدق والأمانة والضبط والتجرد والموضوعية والحياد، وغيرها من المبادئ والقيم والقواعد والقوانين.
لكن للأسف أغلب صحفنا خاصة من تصف نفسها بالحداثية والتقدمية والليبرالية والعلمانية، لا تقتات إلا على الكذب وإشعال الحرائق، والتحريض وإثارة الفتن، وإذكاء الأحقاد وبث الشبه، حتى باتت تلك الصفات والسمات علامة مميزة لها، فاستحقت بكل جدارة أن تلحق بجرائد الرصيف والصحف الصفراء.
سبب كلامي هو الحملة التي انخرط فيها عدد من الصحفيين، رأس مالهم حقد أعمى وقاموس من السباب والشتائم، ورصيد مهم من الكذب والتلفيق والتزوير، بالإضافة لصفاقة وجه وقلة مروءة وحياء، وجدوا في بعض الصحف الصفراء ملاذا آمنا يشنون منه هجوماتهم ويطلقون قذائفهم ضد الإسلاميين عموما، والسلفيين بشكل خاص.
فتقاطعت مصالح الفريقين وتكاملت خططهم، التي تغذيها وتوجهها وتمولها مؤسسات وتقارير ومراكز وراء البحار، مرتبطة بجهات استخباراتية، والمطلع على سبيل المثال على تقارير راند، خاصة فيما يتعلق بتوصياتها وتوجيهاتها للصحفيين، ونصحها لهم بتشويه الأصوليين وتنفير الناس منهم وترويج الأكاذيب عنهم، وتضخيم بعض الحقائق وتمطيطها وتمديدها، لا يجد كبير عناء في فهم الحرب القذرة التي يخوضها بعض المرتزقة بيننا بالنيابة.
حيث انخرط بعض الصحفيين ممن لهم إيديولوجية معينة، بالإضافة إلى بعض الخبزيين والنفعيين ممن ليس لهم أي مستوى أو مصداقية، بل هم يشتغلون كمرتزقة تحارب بمقابل مادي، ويخوضون حربا بالوكالة ضد السلفية والسلفيين، إما خدمة لمشاريع خارجية في محاولات يائسة لبعث الحياة ونفخ الروح في مشروع الحرب على الإرهاب الذي باء بالفشل الذريع وراح مهندسوه يجرون أذيال الهزيمة، أو استكمالا لمشاريع التغريب والعلمنة التي تستنبت قسرا في تربة وبيئة غير صالحة بتاتا لها، وهي مشاريع مصيرها الذبول والضمور والموت، أو فقط على طريقة بال حمار فبالت أحمرة، حيث أنه من غير المستبعد أن تسأل أحدهم لماذا انخرطت في هذه الحملة، فيغمغم بكلمات ليس لها معنى كالأبله.
ذكر الأستاذ إبراهيم بيدون في إحدى مقالاته المعنونة بـ”التقارير المكذوبة لمراسلي البنتاغون في المغرب” حقائق عن نموذج للمثال الأول الذي ضربته لعينات من الصحفيين اختاروا بكل طواعية الاصطفاف إلى جانب قوات المارينيز ومد وزارة الدفاع الأمريكية بالتقارير المكذوبة والمنفوخة عن واقع عربي قاب قوسين أو أدنى من السقوط في أيدي السلفيين، فتجدهم بمراسلاتهم وتقاريرهم المكذوبة كأنهم يستحثون خطى المارينز للإسراع وآذان CIA للإنصات وأعين FBA للإبصار، من أجل اختيار الوقت المناسب للانقضاض على هذا المارد السلفي وتسديد ضربة قاضية له تصيبه في مقتل.
إن عملية الاسترزاق والمتاجرة بقضية السلفوبيا، أشبه ما تكون بمن يقتل الناس ليبيع الأكفان، أناس يغذي الحقد أدمغتهم لاختلاق القصص المرعبة والمضحكة والغبية والمسلية عن السلفيين، ثم السعي لجني الثمار وتحقيق مكاسب مادية أو سياسية أو معنوية من وراء الكذب المنشور والإشاعات المروجة.
الغريب في الأمر أنه من الممكن أن تصدر الجهات المتضررة بيانا تنكر فيه ما نسب إليها، أو يقوم صحفي نزيه ومستقل بإجراء تحقيق يبرهن على أن حادثة ما لا تعدو أن تكون مجرد افتراء، أو تصدر جهة أو مؤسسة رسمية تكذيبا لما جاء في الصحيفة الصفراء إياها، لكن رغم ذلك تصر نفس الصحيفة على كذبها كأن شيئا لم يكن، ويستمر نفس الأشخاص الدائرين في فلكها في لوك الخبر المكذوب والتذكير به والاستشهاد به، في أكبر عملية تواطؤ على الكذب والاختلاق والتلفيق، دون أدنى شعور بوخز ضمير.
ولهذا العبد الضعيف تجربة مماثلة حين نشرت جريدة الصباح خبرا عن “سلفيين جردوا فتاة من ثيابها بسويقة الرباط”، أسرعت إلى عين المكان وأجريت تحقيقا صحفيا تم تداوله على المنابر الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي ولاقى قبولا ورواجا كبيرا، وقد استشهد به الصحفي نور الدين لشهب في لقاء على القناة الثانية تمت فيه مناقشة مصداقية الإعلام الإلكتروني. قلت أن التحقيق أثبت كذب رواية الصباح جملة وتفصيلا، ورغم ذلك اعتمدت الخبر جمعية بيت الحكمة وأصدرت بيانا يقطر حقدا، ثم اعتمده العلماني أحمد عصيد وسناء العاجي وعدد من الصحفيين ممن ينتمون للجوقة الموسيقية إياها.
مرة أخرى تنشر جريدة أخبار اليوم خبرا مفاده أن “سلفيا قتل يهوديا بفاس”، ذهبت مسرعا لمدينة فاس التقيت والد المتهم، وسجلت معه لقاء مما جاء فيه أن لا علاقة لابنه لا بسلفية ولا بالتزام وأنه كان يعاني من مرض نفسي، وكان يزور الأضرحة والقبور طلبا للشفاء، ثم ختم كلامه بأن لا صحة لما جاء في الخبر المكذوب، لكن رغم ذلك، وعلى طريقة ولو طارت معزة، استمر نفس الصحفيين والباحثين المنصفين جدا والحداثيين جدا والعلميين جدا جدا جدا، في عزف نفس المقطوعة المملة والمقرفة.
خلاصة القول أن موضة الهجوم على السلفيين يترجمها أصحابنا في صحفهم الصفراء بعناوين غبية مضحكة من قبيل:
– سلفيون اعتدوا على فتاة ونزعوا ثيابها.
– سلفي يقتل يهوديا بحي الملاح بفاس.
– سلفيون يقضون وطرهم ويرمون نساءهم وينكرون أبناءهم.
– سلفيون يدمرون مآثر تاريخية بالأطلس الكبير.
– سلفيون يدمرون معلمة تاريخية أمازيغية والأمازيغيون يراسلون وزير الثقافة.
– إيقاف سلفيين حاولا شنق عرافة بسلا.
ولا زال الحبل على الجرار، دون أن تحرك هذه الحرب المهزلة ضمير أي متباك على القانون والأخلاق والمهنة واللياقة والأدب والصدق، ودون أن يدرك هؤلاء الصحفيين تداعيات وتراكمات هذه الحروب التي يشعلونها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *