ذ. محمد احساين*: طبيعي أن يخلق مثل هذين المرسومين احتجاجات وإضرابات ومسيرات من طرف المستهدفين.. نظرا لاختلاف مواقف كل من الطرفين حاوره: إبراهيم بَيدون

كيف تجرأت السلطات على تعنيف وتفريق تظاهرة سلبية لمربيي ورجال تعليم المستقبل والمعول عليهم في ترسيخ قيم العدل والتسامح وتحصيل العلم، ولم تكن لتتجرأ على تفريق تظاهرات المثليين وحركة مالي وديالي وأصحاب القبلات أمام المجلس التشريعي وفي الأماكن المقدسة، فهل هذه كانت بترخيص حتى يتم مهادنتها أم هذا يدخل أيضا في الاستثناء المغربي..؟

1- في ظل أن المغرب يعاني من خصاص مهول من الأطر التعليمية، كيف تقيمون إصدار هاذين المرسومين؟
أولا نرى أن ما آلت اليه أمور الطلبة-الأساتذة المتدربين لقي صدى واسعا داخليا وخارجيا، وجلب مزيدا من التضامن معهم خاصة بعد قمع المسيرات الاحتجاجية ليوم الخميس الأسود -والذي اجتمع على انتقاده ورفضه كل من الأغلبية والمعارضة- بذريعة التظاهر بدون ترخيص؛ مما يدعونا إلى التساؤل: هل منع التظاهر غير المرخص يمكن أن يؤدي إلى ما شهدناه عبر شبكة التواصل الاجتماعي من التعنيف والتنكيل الجسدي والذي اعتبره البعض عملية مفبركة…
إننا ألفنا في شوارعنا شيوع ثقافة الاحتجاج والتظاهر من أجل الحصول على حق، أو الاعتراف به، أو التراجع عن المذكرات والقرارات، مما يفقد المسؤول عنها مصداقية ما يصدر لدى الفاعلين الميدانيين، والمدهش هنا هو كيف تجرأت السلطات على تعنيف وتفريق تظاهرة سلبية لمربيي ورجال تعليم المستقبل والمعول عليهم في ترسيخ قيم العدل والتسامح وتحصيل العلم، ولم تكن لتتجرأ على تفريق تظاهرات المثليين وحركة مالي وديالي وأصحاب القبلات أمام المجلس التشريعي وفي الأماكن المقدسة، فهل هذه كانت بترخيص حتى يتم مهادنتها أم هذا يدخل أيضا في الاستثناء المغربي، أو أن ديمقراطيتنا تحتاج إلى الدمقرطة من أجل التعامل العادل مع كل التظاهرات والمسيرات.
ثانيا: إن الواقع التربوي يشهد وباستمرار خصاصا حادا في موارده البشرية، وهو خصاص يتراكم ويتزايد من سنة لأخرى، نظرا لقلة الخريجين من المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، ومحدودية مناصب التوظيف أمام زيادة أعداد المتقاعدين بحد السن والمغادرين المستفيدين من التقاعد النسبي، هذا الخصاص سيلقي بظلاله السلبية على كل دخول تربوي، وتنعكس آثاره على مستوى التعلم والتعليم وما نطمح إليه من جودة مخرجات المنظومة التربوية.
ولا شك أن من مظاهر هذه الآثار السلبية ما تعرفه الساحة التعليمية من اكتظاظ وحذف بعض الحصص والمواد وزيادة الاقسام المشتركة في الابتدائي وحذف التفويج في المواد العلمية… وكان من المتوقع أن يستقبل الموسم الدراسي المقبل ما يربو عن 7000 متخرجا في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين إلا أن هذا التوقع اصطدم بمرسومين أجهضاه مع بداية السنة التكوينية: مرسوم يتوخى فصل التكوين عن التوظيف، ومرسوم مرتبط به يعتبر المكونين طلبة فقلص منحة المتدربين الى النصف.
وطبيعي أن يخلق مثل هذين المرسومين احتجاجات وإضرابات ومسيرات من طرف المستهدفين ورفع عصا التمرد ضد الحكومة والوزارة الوصية نظرا لاختلاف مواقف كل من الطرفين.

فالحكومة تراهن من خلال المرسومين على توسيع دائرة المستفيدين من التكوين في مهن التربية والتكوين، وتعميق التكوين لحاملي الشهادات بما يمكنهم من الالتحاق بالمدرسة العمومية أو مؤسسات التعليم الخاصة، وتعزيز أنظمة التكوين في بلادنا و الرفع من أداء تأهيل أطر هيأة التدريس وتحسين مردوديتها من أجل الارتقاء بجودة المنظومة التربوية، وإعادة الاعتبار للمدرسة المغربية وتعزيز وتقوية التكوين المقدم من طرف المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين.
والمتدربون يعتبرون أنفسهم أساتذة متدربين ومن حقهم التوظيف المباشر بعد نيل دبلوم التخرج في المراكز على غرار ما سارت عليه المراكز منذ إنشائها، ومن أجل هذا يناضلون ويحتجون وينظمون المسيرات لإسقاط المرسومين والتراجع عنهما.
..هذه المواقف المتشنجة تنذر بسنة بيضاء في المراكز، وتبعا لذلك ستكون وزارة التربية الوطنية في موقف محرج ومرتبك في مواجهة خصاص الدخول المدرسي المقبل؛ مما يشير إلى أن المرسومين وظرفية وطريقة أجرأتهما لم يكن موفقا ؛ ولعل ذلك ناتج عن نوع من الاستعجال المتسم بالارتجال كما هو الحال في بعض المذكرات التي تبقى حبرا على ورق، لأن مثل هذه المذكرات والقرارات والمراسيم لا تكفي فيها الاجتماعات المغلقة وإنما تحتاج الى صناعة وإشراك الفاعلين والمستهدفين في بنائها ودراسة جدواها والتفكير في انعكاساتها ومآلها وتوقع مخاطرها ووضع سيناريوات لمواجهة مقاومتها، وكان من الممكن التدرج في إرساء المرسومين من خلال فتح المجال للتكوين بعدد المناصب الممكنة وأخذ الوقت اللازم للتحسيس والتفكير في إرسائهما.

2- ما تأثير المرسوم القاضي بفصل التكوين عن التوظيف على المنظومة التعليمية في المغرب، وهل يمكن القول بأن هذا القرار يخدم لوبيات التعليم الخاص؟
إن مبدأ فصل التكوين عن التوظيف كما صرحت بذلك الحكومة يهدف إلى الارتقاء بجودة المنظومة التربوية وتوسيع المستفيدين من التكوين في مهن التربية والتكوين لتمكين مؤسسات التعليم الخاص من أطر مؤهلة بيداغوجيا كإسهام من طرف الدولة في تشجيع ودعم التعليم الخاص.
وهنا يتساءل الكثيرون عن المنطق الذي يسوغ هدف التكوين من أجل التعليم الخاص، فإذا كان التعليم الخاص يسهم في إثراء العرض التربوي وتخفيف العبء على الدولة، فالملاحظ أن هذا التعليم أصبح استثمارا مربحا ومراكما للثروات، كما أنه يستفيد من خدمات التعليم العمومي تدريسا وتأطيرا وتقويما، ولعل هذا كان من مطالب ممثلي التعليم الخاص في مواجهة مبادرات الوزارة لمحاربة استغلالهم لأساتذة التعليم العمومي، إلى درجة أن أصبح بعض الأساتذة يخلون بواجباتهم المهنية الرسمية والتملص من الرفع من درجة المردودية في التعليم العمومي من خلال محاولات التهاون والتمارض والتغيبات… في الوقت الذي نجد فيه التعليم الخاص يتوجس خيفة من مراقبته في بنيته المادية وشروط التسجيل وأثمنة الولوج…
وكان من الضروري أن يتحمل مسؤوليته في تكوين أساتذته، خاصة وأن خريجي المراكز الجهوية يأملون في الانخراط في أسلاك الوظيفة العمومية حيث تضمن لهم بعض الحقوق والامتيازات التي لا يجدونها في التعليم الخاص الذي لا يحسون بجاذبية نحو الاشتغال فيه، ولأن الواقع ينطق بما يمارسه هذا النوع من التعليم من هضم لحقوق المدرس وعدم الاعتراف بها تحت طائلة الترهيب والتهديد بمبرر كثرة طلبات العمل لديه.
وهنا يمكن التساؤل: هل بإمكان الوزارة الوصية وضع دفاتر تحملات تشجع المكونين على الإقبال على التعليم الخاص وإرغام الأخير على احترام شروطها، وبأية شروط وبأية ضمانات…؟
كما أن هذا التعليم هل سيقبل بإبرام عقود رضائية تتجاوز فكرة الإذعان من خلال الإعلان عن الحقوق والواجبات واستقبال المتخرجين بحقوق تماثل حقوق أصحاب السلم العاشر والحادي عشر وتمكينهم من الترقي…؟
مثل هذه التساؤلات تجعل الكثير يرى بأن المرسومين كان وراءهما لوبيات التعليم الخاص للمزيد من الجشع واستغلال خدمات الدولة، وهذا هو الانطباع الذي يخلفه المرسوم حينما يصرح المسؤولون بأن نسبة من المتخرجين ستلتحق بالتعليم الخاص، لكن الواقع يشهد بعدم جدوى هذا الهدف مما يجعل المعنيين عرضة للبطالة والعطالة من جديد، وهنا نستحضر ذلك العدد من المترشحين لمباراة المراكز الجهوية الهاربين من التعليم الخاص إلى حد أن أصبحت مؤسساته تضع شروطا أحادية تمنع المشتغلين فيها من مجرد التعبير عن الرغبة في الترشح للمباراة، كما نستحضر ما آل اليه متخرجو المدارس العليا للأساتذة والإجازات المهنية وهل استطاعوا ضمان منصب الشغل في التعليم الخاص؟

3- ما رأيكم في الخطوات المتخذة بخصوص إصلاح منظومة التربية والتكوين، وجودة التعليم؟
إذا كان المرسومان يدخلان في مخطط الوزارة لإصلاح منظومة التربية والتكوين بهدف تجويد العملية التعليمية والرفع من جودة التربية والتكوين فإن هذا الإصلاح وأمام كثير من المؤشرات أرى أنه سيسير في اتجاه ما سارت فيه المحاولات الإصلاحية السابقة، خاصة في ظل ما تشهده الساحة التعليمية من تشنج وارتباك وإحساس بالتراجع عن كثير من المكتسبات من جراء مبادرة الحكومة في إصلاح نظام التقاعد، وأيضا الإحساس بالتدخل الخجول للدولة والوزارة لمحاسبة المفسدين وناهبي أموال البرامج الإصلاحية، وعدم تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، والاجتهاد في تفعيل مقولة عفا الله عما سلف، خاصة بعد تقارير المفتشية العامة والمجلس الأعلى للحسابات وبعض الفيديوهات المسربة التي تكشف عن بعض طرق وأساليب نهب المال العام من طرف مسؤولين عن تلكم البرامج، وعدم مصارحة الشعب عن المسؤول عن تسريبات موضوع الرياضيات في امتحانات بكالوريا 2015، إضافة إلى الانعكاسات السلبية للمرسومين على مستوى تغطية الخصاص… وهذا طبعا سيكون على حساب الجودة وسيعمق من إشكاليات التخطيط والتدبير والتأطير والتدريس والتقويم.
فالحكومة تدفع نحو جعل مرسوم فصل التوظيف عن التكوين واقعا متقبلا من طرف الجميع، لأنها تروم وضع الجودة في أولى الأولويات، بما في ذلك طرق اختيار الأساتذة وإدماجهم في سلك التعليم. ومن حيث المبدأ فإن فصل التوظيف عن التكوين، يشكل إحدى مداخل الجودة في ميدان التعليم، باعتبار أن الجودة مقرونة دوما بالتنافسية، وأن الإنتاجية ترتفع كلما ارتفعت حدة التنافس التي تؤدي إلى تحسين وتحسن المنتوج التربوي. ذلك ان الجودة باعتبارها أحد أهم الوسائل والأساليب لتحسين نوعية التعليم والارتقاء بمستوى أدائه فهي ضرورة ملحة تمليها حركة الحياة المعاصرة، ويفرضها التقدم العلمي والتفجر المعرفي ومواكبة التطور التقني… مما يتطلب تحسين أوضاع العملية التعليمية والأنظمة القائمة وتقديم الخدمة المميزة شكلا ومضمونا ومحتوى وطريقة أداء والوصول الى مستوى الأداء الجيد من خلال منهج معين، وطريقة تدريسية فاعلة وتحقيق التعلم الإيجابي وخلق بيئة تعلمية معاصرة تدعم وتحافظ على التطوير المستمر للأطر التدريسية وإشراك العاملين في التطوير والتحديث والتجديد وصنع القرارات.
وهذا ما زالت المنظومة تطمح إليه؛ لأنها ورغم كل محاولات الإصلاح لا زالت تبارح مكانها، ولم تستطع المشاريع الإصلاحية الأخذ بأسباب الجودة وتجاوز الشعارات إلى التفعيل وولوج باب الحجرات الدراسية وكسب رهان الجودة ومعالجة الإشكاليات البيداغوجية وشروطها البشرية والسيكولوجية والمادية، كما لا زالت غير قادرة على معالجة كثير من القيم السلبية والظواهر المرتبطة بالتدريس والتقويم من عنف مدرسي وغش في الامتحانات وانتشار المخدرات في المدرسة ومحيطها وغياب قيمة القدوة لدى رجل التعليم أمام تراجع وضعه الاعتباري في المجتمع وتحميله مسؤولية فشل محاولات الإصلاح… كل هذا يجعلنا أمام مسافة مع مطمح الجودة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مفتش تربوي ونائب رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *