انقلاب الحوثي وتداعياته على منطقة الخليج العربي إعداد: مصطفى الونسافي

اعتبر أحمد عمرو، مدير وحدة الحركات الإسلامية بالمركز العربي للدراسات الإنسانية، أن ما حصل باليمن، وما تمخض عن دخول الحوثيين وسيطرتهم المسلحة على مفاصل الدولة، مؤشر خطير على قرب حصول تغيرات لن تكون في صالح دول المنطقة، ولاسيما البلدان الخليجية.
فاليمن يتمتع بموقع استراتيجي فريد، فهو يمسك بزمام مفاتيح الباب الجنوبي للبحر الأحمر، وهناك تداخل وثيق بين مضيقي هرمز وباب المندب، فهذا الأخير يُمثل طريقاً للناقلات المحملة بنفط الخليج باتجاه أوروبا، كما يربط حزام أمن الجزيرة والخليج العربي، ابتداء من قناة السويس وانتهاء بشط العرب.
لذا فإن الأزمة الأخيرة ستكون لها تداعياتها على الصعيدين الداخلي والإقليمي، فدخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء ليس بمثابة إعلان عن سقوط الثورة اليمنية، بل ينبئ بشكل مقلق عن سقوط الدولة اليمنية نفسها، ومع ما يعنيه ذلك من تطورات محتملة على المديين القريب والمتوسط على كامل المنطقة العربية وخاصة دول الخليج، والذي يعد اليمن خاصرته الجنوبية الرخوة.
المؤشر الأخطر في الأزمة الحالية أن الدور الخارجي والإقليمي يكاد يكون مركزيا في كافة تحركات الأطراف على مسرح الساحة اليمنية.
وإذا أردنا أن نفكك الساحة الداخلية في اليمن سنجد الدولة العميقة أو النظام السابق؛ والحوثيين؛ والقوى الثورية باختلاف مشاربها الإسلامية؛ الحراك الجنوبي؛ وأخيرا القاعدة.
ومعظم تلك الأطراف تدعمها قوى إقليمية مختلفة لديها استراتيجيتها ومطامحها، وتتخذ الساحة اليمنية مسرحا لتحقيق أهدافها.
لقد كانت مقاومة المد الإيراني تحتل قمة الأولويات الاستراتيجية لدول الخليج العربي، الأمر الذي استدعى تدخل السعودية عسكريا ضد الحوثيين في اليمن سنة 2009؛ وفي مراجعة لبيانات قمم مجلس التعاون الخليجي المختلفة منذ العام 2007 نجد اليمن حاضرا بقوة في معظم تلك الاجتماعات، وكذلك حجم المبادرات السياسية الموجهة من دول مجلس التعاون للداخل اليمني، كل ذلك ينبئنا أن اليمن جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية الخليجية.
وكان محددا أن ما اصطلح على تسميته ثورات الربيع العربي هو الأكثر تأثيرا على الرؤية الاستراتيجية لصناع القرار في دول الخليج العربي، غير أن زلزال الثورات أصاب منطقة الخليج بنوع من الصدمة أبدت بوضوح أن هناك غيابا شبه كامل للنظرة الأمنية الخليجية الواضحة، واختلاف في الرؤى الاستراتيجية لدول الخليج، بل ظهرت داخل هذه الأخيرة أحلاف وتباينات في المواقف والأهداف.
لكن يبدو أن هناك رؤية استراتيجية جديدة تقوم على فكرة أن العدو السني متمثل في الشعوب السنية الباحثة عن قيادة تمثلها تمثيلا واقعيا، تدفع باتجاه حصولها على العدالة والكرامة، وهذا أشد خطرا من المنافس الشيعي الذي يتمدد في العواصم العربية يوما بعد يوم.
ومما لا شك فيه أن اليمن في ظل أزمته الحالية مقبل على سيناريوهات ثلاث:
أولا: دخول اليمن في حرب أهلية بين الحوثيين الشيعة من جهة، وبعض الفصائل الإسلامية المسلحة من الجهة الأخرى؛ وذلك بصرف النظر عن أي اتفاق سياسي، خاصة أن ما أحدثه الحوثيون بدخولهم صنعاء بتلك الطريقة المسلحة خلف جرحا في نفوس معظم اليمنيين السنة، فإذا أضفنا إلى ذلك كون معظم القبائل اليمنية مسلحة فإن صراعا أهليا طاحنا يُرتقب وقوعه بين هذين الطرفين، مع احتمال دخول إيران على الخط، مما ينذر بتحول اليمن إلى سورية ثانية.
ثانيا: محاولة الحوثيين حكم الدولة اليمنية بطريقة «حزب الله» اللبناني، بحيث يصبحون هم الفصيل السياسي العسكري الذي يستحوذ على حصة من الكعكة السياسية تمكنه من ارتهان القرار السياسي بيده.
ثالثا: اشتعال ثورة سنية أخرى تعيد رسم الخريطة السياسية لليمن من جديد، ذلك أن معظم ثورات الربيع العربي تحولت إلى خريف لشعوب تلك الدول، غير أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن الشعوب لم تفقد الأمل في ثوراتها، وأنها تتطلع لجولة جديدة تعيد للثورات أهدافها، وتتلافى فيها أخطاءها السابقة التي أودت بها إلى تلك الثمار الحنظلية.
ويبدو أن السيناريو الثاني هو الذي تدفع به دول الخليج رغم عدم استبعادنا لبقية السيناريوهات، يؤشر على ذلك صمت معظم الدول الخليجية على اجتياح صنعاء، بل ترحيب بعضهم بالاتفاق بين الحوثيين والرئيس اليمني المؤقت، وهو ما قد يحقق مصلحة في الرؤية قصيرة المدى بعودة تحالف الحوثيين والنظام القديم لتقاسم الحكم.
تلك المصلحة المتمثلة في توجيه ضربة جديدة لثورات الربيع العربي، والحفاظ على بيئة سياسية في دول الجوار، وإن عاصمة شيعية رابعة ونموذج «حزب الله» في لبنان و«أنصار الله» في اليمن سيغري الطائفية في كثير من دول الخليج، وما يدرينا أن نستيقظ غدا على «أحباب الله» في الكويت، و«أعوان الله» في قطر، و«عباد الحسين» في السعودية.
ويبقى السيناريوان الأول والثالث قابلين للحدوث في أية لحظة، خاصة أن الساحة أصبحت مهيأة لكثير من التفاعلات التي لا يستطيع أحد أن يقدر حجمها، وكل يوم تطفو على الساحة السياسية والعسكرية في العالم العربي قضايا جديدة، والأيام حبلى بالأحداث.
غير أن السيناريو الأشد كارثية على منظومة الدول الخليجية هو نشوب حرب أهلية؛ لأن شرارته ستمتد ولا شك خارج الحدود اليمنية، ودول فاشلة ستكون مكانا ملائما جدا لنشاطات كافة التجمعات والأحزاب المسلحة، الأمر الذي سيلقي بظلاله على منطقة الخليج التي ستقع بين فكي كماشة تلك التيارات من الشمال في العراق وسوريا ومن الجنوب في اليمن، وستصبح نيران الطائفية مشتعلة في الشمال والجنوب؛ ومع وجود الشيعة في دول الخليج فلا شيء يمنع أن تمتد إليها هي الأخرى تلك النيران.
وأخيرا فإن الرؤية الاستراتيجية هي أن أمن اليمن واستقراره هو حتما لمصلحة دول الخليج، وأن تحقيق الاستقرار لن يتأتى إلا بإيجاد الحلول والبحث عن أسباب أزمات اليمن الداخلية، كغياب الحرية والكرامة، والإصلاح والتطوير، والعدالة الاجتماعية.
تلك الأسباب التي أدت إلى كثير من التوترات السياسية والأمنية، ومن ذلك على سبيل المثال: تحركات الشارع الجنوبي المطالب بالانفصال، والصراع مع الحوثيين، وتعاظم نشاط القاعدة؛ كل تلك الأزمات منشأها معلوم ومعروف لدى الجميع.
وهل كانت الشعوب العربية سواء في اليمن أو في بقية الدول العربية التي قامت بها ثورات تحيا في عدل وحرية ورغد من العيش ثم ثارت على حكامها؟ أم أن الشعوب ضجت من الظلم والفقر والجهل والمرض والتخلف القيمي والإنساني، ولي أعناق الشعوب بعيدا عن دينها وشريعتها وتاريخها وحضارتها؟
إن الشعوب العربية وهي ترى الآن ما تمر به بلادها، مِن تردٍّ أمني واقتصادي وقيمي، تدرك من الصديق ومن العدو، وإن الغرب -وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية- يتحمل بالدرجة الأولى ما مرت به شعوب المنطقة من تخلف على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وهو الآن بات يدرك أيضا أن الصمت يكون أحيانا أمضى من السيف، ولن يندثر من ذاكرة شعوب المنطقة مشهد تمزق الأوطان وسط هذا الصمت العجيب.
وعلى دول الخليج أن تعي بأن إيران وأذرعها لن تقف عند حدود أو عاصمة أو مدينة، وأن الرؤية الاستراتيجية لإيران قد وضعها الخميني قبل أن تطأ قدمه إيران عائدا من فرنسا، وحتى قبل أن يستقيم الأمر بالكامل للثورة الشيعية قال: «لقد حكم العرب العالم الإسلامي، ثم حكم الترك العالم الإسلامي، والآن جاء دورنا نحن».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *