المتابعة الأممية لقضية المرأة

بدأ اهتمام هيئة الأمم المتحدة بالمرأة منذ عام ستة وأربعين وتسعمائة وألف (1946م/1365هـ)، حين أنشئت لجنة مركز المرأة، وهي هيئة رسمية دولية تتألف من خمس وأربعين دولة من الدول الأعضاء، تجتمع سنوياً بهدف عمل مسودات وتوصيات وتقارير خاصة بمكانة المرأة وتقويم تلك الأعمال (1).
وقد أكد دستور هيئة الأمم المتحدة وميثاقها – الذي أبرم في “سان فرانسيسكو” بتاريخ (16/7/1364هـ – 26/6/1945م) – على مبدأ عدم التفرقة بين الناس بسبب الجنس، فجعل للرجال والنساء حقوقاً متساوية، كما ورد في نصوص المادتين الأولى والثامنة.
وفي عام (1367هـ 1948م)، صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان شاملاً كافة حقوق الإنسان المدنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، التي يجب أن يتمتع بها كل فرد رجلاً كان أو امرأة.
ففي المادة الثانية – مثلاً – من هذا الإعلان، ما يلي: (لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسياً وغير سياسي، أو الأصل الوطني، أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر)(2).
وفي عام (1967م- 1387هـ)، صدر الإعلان الخاص بالقضاء على التمييز ضد المرأة، الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة بمقتضى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2263 (د-22) وذلك في (7 نونبر) من نفس العام/ الموافق5/8/1387هـ، مع توصية ببذل أقصى الجهد لتنفيذ المبادئ الواردة فيه للحكومات والمنظمات غير الحكومية والأفراد، والذي ينص على حق المرأة الدستوري في التصويت، والمساواة مع الرجل أمام القانون، وعلى حقوقها في الزواج والتعليم وميادين الحياة الاقتصادية والاجتماعية مع الرجل سواء بسواء(3).
وفي عام (1388هـ – 1968م) عقد في طهران مؤتمر دولي لحقوق الإنسان تحت إشراف الأمم المتحدة، سمي (إعلان طهران 1968م)، الذي نص في بنده الخامس عشر على أنه: “يتحتم القضاء على التمييز الذي لا تزال المرأة ضحية له، في عديد من أنحاء العالم، إذ إن إبقاء المرأة في وضع دون وضع الرجل يناقض ميثاق الأمم المتحدة،كما يناقض أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتنفيذ الكامل لإعلان القضاء على التمييز ضد المرأة ضروري لتقدم الإنسانية”.
ثم بعد ذلك عقدت الأمم المتحدة أول مؤتمر عالمي خاص بالمرأة وهو مؤتمر مكسيكو لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنميـة والسلـم، وذلك في عام (1395هـ – 1975م) في مدينة “مكسيكو سيتي” بالمكسيك، حيث حضرته مائة وثلاث وثلاثون دولة، وأكثر من ألف شخص، واعتبر ذلك العام [العام العالمي للمرأة]، واعتمد في ذلك المؤتمر أول خطة عالمية متعلقة بوضع المرأة على المستوى الحكومي وغير الحكومي في المجالات السياسية والاجتماعية والتدريب والعمل على حماية الأسرة.
كما اعتمدت خطة العمل العالمية لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم، للأعوام (1396-1405هـ/1976-1985م).

ويلاحظ في هذا الشأن أن هذا العقد الأممي للمرأة مستنبط من مواثيق الأمم المتحدة واتفاقياتها، التي سبقت الإشارة إليها(4).
وفي عام (1399هـ – 1979م) عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمراً تحت شعار (القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة) وخرج المؤتمرون باتفاقية تتضمن ثلاثين مادة وردت في ستة أجزاء، للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وجاءت هذه الاتفاقية لأول مرة بصيغة ملزمة قانونياً للدول التي توافق عليها، إما بتصديقها أو بالانضمام إليها. وقد بلغ عدد الدول التي انضمت إلى هذه الاتفاقية مائة وثلاثاً وثلاثين دولة، إلى ما قبل مؤتمر بكين عام (1416هـ – 1995م).
وفي عام (1980م، 14-30 يونيو، 2-18/9/1400هـ) عقدت الأمم المتحدة المؤتمر العالمي لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم في “كوبنهاجن” بالدانمرك، -وهو المؤتمر الثاني الخاص بالمرأة-؛ وذلك لاستعراض وتقويم التقدم المحرز في تنفيذ توصيات المؤتمر العالمي الأول للسنة الدولية للمرأة والذي عقد عام (1395هـ -1975م) في المكسيك، ولتعديل البرامج المتعلقة بالنصف الثاني من العقد الأممي للمرأة، مع التركيز على الموضوع الفرعي للمؤتمر: العمالة والصحة والتعليم.
وفي عام (1985م، 15-26 يونيو، 27/10- 9/11/1405هـ)، عقد المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم في نيروبـي بكينيا – المؤتمر الثالث الخاص بالمرأة – الذي عرف باسم إستراتيجيات نيروبي المرتقبة للنهوض بالمرأة، وذلك من عام (1406-1420هـ/ 1986-2000م). وقد شارك فيه سبع وخمسون ومائة دولة. وقد بين المؤتمر أهداف وغايات العقد الأممي، وشدد على صحتها بالنسبة إلى المستقبل، وبين الحاجة إلى اتخاذ تدابير ملموسة للتغلب على العقبات التي تعترض سبيل إنجازها أثناء الفترة 1406-1420هـ/ 1986-2000م.
وفي عام (1995م، 4-15 سبتمبر، 9-20/4/1416هـ) عقدت الأمم المتحدة المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة، في بكين بالصين. وقد دعت فيه إلى مضاعفة الجهود والإجراءات الرامية إلى تحقيق أهداف استراتيجيات نيروبي التطلعية للنهوض بالمرأة بنهاية القرن الحالي.
ويعتبر هذا المؤتمر متميزاً عن المؤتمرات الأخرى التي تبنتها الأمم المتحدة؛ حيث دعت فيه بصراحة وبوضوح إلى العديد من الأمور التي فيها مخالفة للشريعة الإسلامية، بل فيها مخالفة للفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، مثل:
الدعوة إلى الحرية والمساواة -بمفهومهما المخالف للإسلام-، والقضاء التام على أي فوارق بين الرجل والمرأة، دون النظر فيما قررته الشرائع السماوية، واقتضته الفطرة، وحتمته طبيعة المرأة وتكوينها.
وكذلك الدعوة إلى فتح باب العلاقات الجنسية المحرمة شرعاً، من ذلك: السماح بحرية الجنس، والتنفير من الزواج المبكر، والعمل على نشر وسائل منع الحمل، والحد من خصوبة الرجال، وتحديد النسل، والسماح بالإجهاض المأمون، والتركيز على التعليم المختلط بين الجنسين وتطويره، وكذلك التركيز على تقديم الثقافة الجنسية للجنسين في سن مبكر، وتسخير الإعلام لتحقيق هذه الأهداف.
وكذلك ركز المؤتمر على الخدمات الصحية التناسلية والجنسية، وكيفية معالجة ما يقع من الأمراض الجنسية، والحمل، وبخاصة (الإيدز).
كما أن في هذا المؤتمر إعلاناً للإباحية، وسلباً لقوامة الإسلام على العباد، وسلباً لولاية الآباء على الأبناء.
– وأخيرا: مؤتمر الأمم المتحدة للمرأة عام (1420هـ -2000م) المساواة والتنمية والسلام في القرن الحادي والعشرين، الذي انعقد في (نيويورك – الولايات المتحدة الأمريكية).
ويعتبر أهم هدف في هذا المؤتمر هو: الوصول إلى صيغة نهائية ملزمة للدول، بخصوص القضايا المطروحة على “أجندة” هذا المؤتمر، التي صدرت بحقها توصيات ومقررات في المؤتمرات الدولية السابقة، تحت إشراف الأمم المتحدة.
ولأهمية هذا المؤتمر -وتعويل التيار النسوي العالمي عليه-؛ فقد أقيمت عدة مؤتمرات إقليمية لمتابعة توصيات مؤتمر بكين، والتمهيد لهذا المؤتمر المسمى: ( المؤتمر التنسيقي الدولي للنظر في نتائج وتطبيق قرارات المؤتمرات الأممية للمرأة).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المصدر: نشرة صادرة عن إدارة شؤون الإعلام بالأمم المتحدة، بدون تأريخ.
2- اعتمد هذا الإعلان ونشر بقرار الجمعية العامة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948م. انظر: حقوق الإنسان في الإسلام/محمد الزحيلي ص393، وحقوق الإنسان/ محمود بسيوني ص17.
3- حقوق الإنسان/ محمود بسيوني ج1 ص93.
4- وهي: (ميثاق الأمم المتحدة – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – الاتفاق الخاص بالحقوق السياسية للمرأة – الإعلان الخاص بالقضاء على التمييز ضد المرأة – إعلان طهران 1968م).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *