إذا كانت الجريدة الفرنسية موضوع الضجة والمندبة هذه الأيام قائمة على السخرية؛ خصوصا من دين الإسلام ونبي الإسلام؛ وجعلت ذلك محور مواضيعها؛ فإن ذلك يدل على أن نبي الرحمة يشكل لها وللجهات التي توظفها عقدة نفسية لا تستطيع التنفيس عنها إلا بالرسوم الكاريكاتورية والاستهزاء البليد.
وهو عمل غبي لا يغير من مجرى التاريخ شيئا ولا يقف في وجه القدر الكوني في تمدد الإسلام وانتشاره بقدرة الله، بل بالعكس؛ فأعمال مثل هذه تكون نتائجها عكسية وغالبا ما ينقلب السحر على الساحر، ويزداد اهتمام الناس بالإسلام فيدخلون فيه أفواجا؛ بعد اكتشاف الحقيقة التي يريد هؤلاء الأوغاد إخفاءها بأعمال ساذجة. والواقع خير شاهد لاسيما منذ أحداث الحادي عشر من شتنبر بأمريكا إلى ما حدث هذه الأيام ضمن مسلسل معد سلفا لتشويه الإسلام والتضييق على المسلمين ولكن هيهات.
لكن السؤال الحارق والمؤلم: ما الذي يحمل سفلة من البشر أن يتطاولوا على سيد البشر؟
ما سر هذه الجرأة على الإسلام ونبيه التي لا تظهر عند انتقاد زعماء أو هيئات أو أحداث معينة كخرافة المحرقة اليهودية مثلا؟
في المثل يقولون؛ «من أمن العقوبة أساء الأدب»، فشعور هؤلاء بالأمان وهم يطعنون في رسول الله وأنه لا يوجد من يذب عن عرض رسول الله أو يصرخ في وجوههم أن توقفوا أيها الأوغاد، أطلق لهم العنان، وإلا من سيعاقب هؤلاء الذين يتبجحون بالحرية في بلاد يحكمها من جعل في سلم أولوياته السياسية محاربة الإسلام؟ أم سيعاقبهم حكام دول تعيش الضعف والهوان؟
بل أقبح من كل هذا وأشده مرارة في النفس أن يكون كثير ممن هم من أمة هذا النبي الكريم تجرؤوا على رسول الله قبل أولئك، واستهزؤوا بشريعته قبلهم، في الإعلام والصحافة والشعر والمحاضرات… من قبل مفكرين وأدباء وشعراء وإعلاميين… وتمر الأمور بسلام وبدون ضجيج أحيانا فلم نلوم الآخرين إذن؟
وأكبر من هذا كثير من عموم المسلمين يجعلون السخرية من سنة النبي ديدنهم يتندرون بها في المجالس وبين الأصدقاء، أو استهزاء بمن التزم بها من المسلمين؟
ألم يقل مسلم إن القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم غير معجز، وقال آخر ينبغي أن يعاد النظر في بعض آياته، وقال آخرون إن أحاديث رسول الله تكرس للتخلف والظلامية والرجعية، وقال آخر إن غاندي أفضل من محمد، وقال آخر إن رسائل محمد إلى ملوك عصره إرهابية…
ألم يستهزئ كثير من عوام المسلمين باللحية وهي سنة رسول الله وهو سيد الملتحين؟؟
ألم يستهزئوا بالحجاب والنقاب وهو من شريعة الله التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعتوا المحجبات والمنقبات بالخيام المتنقلة والعفاريت المتجولة وغير ذلك من الأوصاف؟؟
ألم يسخروا من تقصير الثياب واحتقروا من تسنن به من الشباب وهو سنة النبي الحبيب؟؟
ألم يسخروا من شهر الصيام واعتبروه «شهر النفاق»؟؟
وسخروا من عيد الأضحى واتهموا المسلمين بالهمجية وحب إراقة الدماء؟؟
ألم يستنكر كثير من المسلمين كثيرا من التعاليم واعتبروها تشددا ومبالغة وتعقدا وهي شريعة رسول الله عليه السلام؛ كتحريم المصافحة، والخلوة بالأجنبية، وعدم الدخول على غير المحارم من النساء وإن كن من ذوي القرابة، والاختلاط في المناسبات والحفلات… وغير هذا مما يطول ذكره.
أو ليس قد زعم أقوام بدعوى الحب أنهم رأوه في المنام وذكروا عنه حالات يعف عن ذكرها اللسان وعن خطها البنان.
فلا ينقضي العجب إذا كنا نهين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل نحاربها أحيانا ونريد من الآخرين ألا يسخروا من نبينا ومن سنته المطهرة، وكأني بهؤلاء يتبنون المثل الشعبي «نضربك وما نخلي ليضربك»، فلن نلوم الكفار إذا استهزؤوا برسول الله إذا كنا نفعل ولربما أكثر مما يفعلون، وظلم ذوي القربى أشد وقعا وإيلاما.
ولعل الملاحظ لموضوع السخرية من رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك أنه مسلسل لم ينته بعد رغم كل الفوضى والجلبة والضجيج الذي يعقب كل إساءة، فلنعلم أنه لن ينتهي إلا بعد أن ننتهي نحن من احتقار سنة رسول الله، معلنين توبة جماعية وتمسكا صادقا بدينه وسنته في جميع تفاصيل الحياة، فذاك السر في امتلاك قوة تردع السفلة عن التطاول مرة أخرى على خير الأنام.
فإنه من شدة العجز أن يطعن أحد في عرض والديك ولا تستطيع الذب عنهما، أو في عرضك ولا تقدر على الرد عنك، لكنه مطلق الذل والهوان أن يطعن في نبيك الذي تزعم أنه أحب الناس إليك بل ينبغي أن يكون أحب إليك من نفسك ومالك وولدك والناس أجمعين، ثم تعجز أن تذود عنه.
ولنعلم أنه ما تطاول من تطاول إلا لعجز فينا، عجز وذل أصابنا جميعا لا يرفعه الله عنا إلا بالعودة إلى هذا الدين، وذلك عين ما دلنا عليه النبي الأمين حين قال: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».
فعودا إلى دينكم تنتهي الحكاية ويسدل الستار عن مسلسل الإذاية.
فلنستيقظ من السبات ولنتخلص من الأوهام وإذا كان سب نبينا مصيبة أصابتنا فبما اقترفت أيدينا وكسبت أنفسنا.
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.