متى كان من يدعو إلى الإصلاح إرهابيا؟ ذ.عبد الرحمن الزواكي

إلى المتكلم بتلك التهم الثلاث التي أصابت ليس فقط شخصاً واحدا بل آلافا مؤلفة ظلما وعدوانا، ولا أريد أن أقول أصابت دينا ومنهجا وكل من على رأيه.
قد يكون مخلصاً فيما قال يريد وجه الله، أو ربما وجه الوطن، أو ربما وجه الحزب، لابأس. والمخلص قد يؤجر وإن خالف وجه الصواب. ولكن من علامات الإخلاص أن يرجع المخطئ عن خطإه فور تبينه، وهنا لا أدري أسمع بيان الشيخ ورده عليه، ثم لا أدري ما موقفه إن كان قد سمع.
أو ربما يكون إنساناً وقعت بين يديه أدلة ومستندات ووقائع أعجزته قوتها أن يكتم الحق فلم يتمالك نفسه فقال ما قال، جميل، ولكننا نرجوه، ونلح عليه في الرجاء أن يخرجها لنا ويتحفنا بها.
غير أني أهديه هنا لمحة: من كانت عنده الأدلة والمستندات والشواهد، فإن أقوى لقضيته وموقفه أن يعرضها ويتركها تتكلم بالإدانة، وليقرأ قول الله عز وجل : {وَكَفَى الله المؤمنين القتال} وليقل : “أديت مهمتي وحفظت صحيفتي”.
هذا، وربما يكون شخصا شجاعاً لا يخشى في الحق لومة لائِم فهو يقول كل ما يعلم.
فأطلب إليه طلباً سِرِّيا لأننا حزب سري كما يعلم: هلا نفس عنا وشفى بعض ما في صدورنا بأن يوجه بعضاً من تلك الصواريخ الكلامية والقذائف البرلمانية إلى من قتلوا ملايين البشر ليحَضِّروهم، وشردوا ملايين الآدميين لينوِّروهم، وأحرقت قنابلهم الذكية تحت نظر الأسرة الدولية أفواجا لا تحصى عددا، وقضى حصارهم المغطَّى بالشرعية الأممية على ملايين الأطفال والشيوخ ليخلصوهم من الأنظمة الدكتاتورية.
فنحن جبناء، فليتول هو ذلك عنا، والله يجزيه خير الجزاء.
ولكن يبدو أنه تفقه كثيراً في قوله عز وجل : {لا يكلف الله نفساً} إلى وسعها؛ وغاب عنه أو غاب هو عن قوله عز وجل: {ولا تلمزوا أنفسكم} “أي إخوانكم” ولا تنابزوا بالألقاب.
أو لربما تقمص دور ذالك الرجل المذكور في إحدى الطرائِف إذ مر على جماعة يضربون رجلا فانضم إليهم يضربه بكل حماس فجاء آخر فسأله: ما فعل هذا؟ قال: لا أدري ولكن وجدتهم يضربونه فعلمت أنه فعل ما يستحق عليه الضرب.
وهذا هو العمل الصالح الذي قال فيه الشاعر:
فياله من عمل صالح يرفعه الله إلى أسفلِ
وقد صار الآن ضرب العلماء والدعاة إلى دين الحق وتشويههم هو اللبنة التي يستعلي بها كل قصير القامة.
والنغمة التي يعزفها كل من أراد جذب الجمهور ليسمعوا كلامه.
أمور يضحك السفهاء منها ويبكي من عواقبها اللبيب
وأنا أعلم أنهم غير معصومين وأنهم بشر من البشر يخطؤون، فلا تأتونا بداعية انحرف أو صاحب فتاوى طبولية فنحن عليهم أشد منكم إنكاراً.
ولكنني أعني الذين قال الله فيهم في آخر السورة التي شيبت سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} وقال فيهم إمامنا ابن القيم:
ولولا همو كادت تميد بأهلها ولكن رواسيها وأوتادها همو
ولولا همو كانت ظلاما بأهلها ولكن همو فيها بدور وأنجم
أولئك أتباع النبي وحزبه ولولا همو ما كان في الأرض مسلم
ونقول لمن لا يريد أن يرى أهل الدين إلا كما يفترض أنه النموذج الصحيح، الموافق للطبعة العصرية:
أيها المشتهي فناء قريش بيد الله عمرها والفنــــاء
إن تودع من البلاد قريشٌ لا يكن لحي بعدهم بقاء
أو أنه يخاف أن يأتي الله بأمر من عنده وينتهي موسم هذه “الموضة” البوشية الآتية إلينا من وراء بحر الظلمات كما سماه الأجداد فصار كلٌ يستملح نفسه وهو يقول فلان إرهابي ويدعو للكراهية، والجماعة الفلانية إرهابية ورؤيتها ماضوية ورجعية.. فسارع إلى إطلاقها على من يعرفها ويعرف مقاصدها ويحذر منها أكثر منه.
وحسب معلوماتي المتواضعة فإن أقمار أمريكا الاصطناعية لم تتعطل ومخابراتها في عنفوانها، وكذلك دولتنا وفقها الله فأجهزتها الأمنية متنبهة وقضاؤها لم يعلن استقالته، فإن كان لدى صاحب التهم أدلة فسارع في إبرازها كما سبق، لعل الله أن ينقدنا على يديه من كارثة الاغترار بهذا الرجل ودعوته وأفكاره.
فإما لا، فنحن والله لنا ربع قرن ولغيرنا أكثر نعرفه فلم نعلم إلا أنه من أهل العلم بالقرآن والسنة والاعتقاد الصحيح والعقل الرجيح بلا غلو ولا تطرف، مع العمل الدائب للمحافظة على هوية الأمة ووصل الشباب والشيب بدينهم وجعلهم مواطنين صالحين في دنياهم، هذا وأكرر له ولكل من بلغ: رغم كوني تلميذاً له ولمدرسته بل تلميذاً لبعض تلاميذه؛ فإني وغيري نخالفه في أشياء ولا جديد في ذلك ولا غريب. فإن لم يعجبك هذا كله أو بعضه وأبيت إلى الخصومة
فكن خصماً عفيفا لا يجاري طرائق السفهاء واعدل في الكلام
وأخيراً
إذا صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بضوابطه الشرعية وقواعده المرعية والذي لا بقاء للإسلام بدونه إرهابا..
وإذا صار تعليم المسلمين قرآن ربهم وسنة نبيهم وتفقيههم في دينهم سرية حزبية…
وإذا صارت الدعوة إلى الفضيلة وبغض الفواحش والمنكرات تدميراً للسياحة والاقتصاد..
فليس لي إلا أن أتمثل بقول الشاعر:
هذا الزمان الذي كنا نحاذره في قول كعب وفي قول ابن مسعود
إن دام هذا ولم تحدث له غيرٌ لم يبك ميت ولم يفرح بمولود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *