العَرْف الوردي في ترجمة العلامة الصمدي

اسمه ونسبه

هو الشيخ الفقيه العلامة المربي؛ أبو عبد الله محمد بن التهامي الصمدي؛ نسبة إلى عبد الصمد؛ الجد الأكبر للأسرة.

مولده
ولد ونشأ في قرية “الخِربة” من قبيلة “بني يسّف” ؛ بين العرائش وشفشاون.
وكان مولده عام 1355هـ (الموافق لـ 1936م).

طلبه العلم و شيوخه
قال رحمه الله: “بدأت بحفظ كتاب الله تعالى كما كان الشأن عند المسلمين عامة والمغاربة خاصة فأخذته عن والدي رحمة الله عليه الذي كانت مهمته التدريس والإقراء في المساجد التي كانت تحفظ أبناء المسلمين كتاب الله تعالى على الطريقة المغربية المعروفة التي كانت تستخدم بها الألواح والتي يتعلم فيها التلميذ الرسم العثماني مع الحفظ، فلا يستظهر القرآن الكريم إلا إذا أتقن فن الرسم العثماني الذي يتميز عن الرسم الإملائي بتلك الرموز التي من شأنها أن تعطي للطالب خبرة عن القراءات التي تشير إليها تلك الرموز اللطيفة؛ كقراءة مثلا: {وإذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا} إشارة أن الألف غير مثبتة في جميع القراءات الأخرى إذ هناك قراءة تقرأ {طيف} بدون ألف، وكحذف الألف في كلمة {ميعاد} في الأنفال؛ إشارة إلى أن الميعاد في سائر آي القرآن ميعاد له أَلِف، فألفه مثبتة لأن ميعاد الله لا يخلف. أما ميعاد الأنفال فهو ميعاد للمخلوقات، ولذلك كتبوها في المصحف بألف محذوف لأنها لغير الله فهي تُخْلَف ولا يتحتم إنجازها بوعد الله الصادق.
إلا أن الذي يؤخذ على طريقة تحفيظ القرآن للمغاربة؛ أنهم كانوا لا يعلمون التلاميذ كيفية النطق بمخارج الحروف وصفاتها بحيث كان الطالب يحفظ القرآن ولا يتقن مخارج الحروف التي من شأنها أن تعين هذا الطالب على تجويد القرآن وترتيله، فيحفظه كله عن ظهر قلب وهو لا يعرف كيف يقرأ هذا القرآن الذي حفظه كله، بينما تجد غير المغاربة يحفظون بعض سور القرآن ويجودونه تجويدا متقنا لأن التحفيظ عندهم كان مصحوبا بكيفية التلقي عن الشيخ الذي يعلمه، فبذلك امتاز أهل الشرق عن مغاربتنا في هذا الشأن بالخصوص، وهو شأن له قيمته وأهميته كما لا يخفى.
لكن والحمد لله؛ اليوم قد تبدلت الأيام وصحا المسلمون المغاربة، وتعلموا القرآن بالكيفية التي أمرهم الله بها، وصرنا نسمع لقراء مغاربة يتقنون قراءة كتاب الله، وأصبح مغرب اليوم غير مغرب الأمس في عالم القراءات وتجويد كتاب الله تعالى. لكن الذي ينقصهم كما ينقص غيرهم في بلاد المسلمين العمل بهذا الكتاب العظيم والاحتكام إلى شريعته الذي هو الأساس والغاية من تنزيله. وبعد حفظ القرآن اجتهد الوالد رحمه الله في تحفيظي للمتون” أهـ.
قلت: فحفَّظه مختصر خليل -وقد كان يحفظه كله عن ظهر قلب-، ومتون الأجرومية وألفية ابن مالك، ولامية الأفعال له في النحو والصرف، والجمل في الإعراب للمجرادي، ومنظومة الاستعارة في البيان للشيخ الطيب بنكيران، كما حفّظه السلم في المنطق للأخضري، وفي الفقه أيضا تحفة ابن عاصم الأندلسي ولامية الزقاق كليهما في التوثيق والمعاملات، ومنظومة ابن عاشر في العقيدة والعبادة.
ثم درس على الشيخ عبد الرحمن البَرّاق؛ متن الآجرومية ومتن الألفية في النحو ومنظومة ابن عاشر، وبعد أن ختم عليه ختمة في ألفية ابن مالك وسلكة أخرى وصل فيها معه إلى الإضافة، انتقل للدراسة على العلامة الفقيه “المرابط” حيث ختم عليه أيضا ألفية ابن مالك بالمكودي ومنظومة الاستعارة في البيان للشيخ الطيب بنكيران وختمة في منظومة السلم للأخضري في المنطق بشرح القوَيسِنِي.
ثم انتقل لطلب العلم على ابن عمه العالم الفاضل السيد عمر الصمدي؛ حيث ختم عليه الألفية مرتين بشرح المكودي، ومتن ابن عاشر في العقيدة والعبادة، وختم عليه منظومة الاستعارة الآنفة الذكر، والجزء الأول من مختصر خليل بشرح الدردير في فقه العبادات وفقه الذكاة به أيضا، وأبوابا من تحفة ابن عاصم ولامية الزقاق وختم عليه منظومة الاستعارة للشيخ الطيب بنكيران، والمنطق بشرح القويسني.
ثم رحل إلى تطوان فأخذ بها عن الفقيه التجكاني صحيح البخاري بشرح القسطلاني، ومقدمة ابن السبكي في الأصول على العلامة الفقيه الفحصي، والعلامة المرابط مفتي الرابطة سابقا، كما درس على هذا الأخير أبوابا من فقه البيوع بشرح الدردير على خليل، ودرس بتطوان أيضا على العلامة المعقولي السيد العربي اللّوه فن المعاني من التلخيص بشرح السعد.
ودرس على العلامة الأصولي الشيخ الحراق مقدمة ابن السبكي من جمع الجوامع في الأصول وفن البديع من التلخيص بشرح السعد.
وقد لازم الشيخ محمد الزمزمي ثنتي عشرة سنة، ودرس عليه الموطأ، والمستصفى، وتفسير ابن كثير، وتفسير البغوي، وشرح النووي على مسلم كما درس عليه المنطق وشيء من البلاغة.
قال رحمه الله: “انتفعت كثيرا بدراستي على العلامة المحقق الشيخ محمد الزمزمي ابن الصديق التفسير للبغوي حتى سورة التوبة، ومنها إلى الناس بتفسير ابن كثير، كما درست عليه الخلاف العالي من كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد ودرست عليه أبوابا من المستصفى للغزالي في الأصول، كما درست عليه أيضا أجزاء من موطأ الإمام مالك بشرح التمهيد إلى ما يقرب من الجزء السابع، ودرست عليه كتابه في الأصول “المحاذي بجمع الجوامع” اهـ.
كما درس على الشيخ عبد الحي بن الصديق علم الأصول.
وحضر بعض دروس الشيخ عبد الله كنون في شرح صحيح البخاري.

عقيدته
كان رحمه الله متمسكا بعقيدة أهل السنة والجماعة السلفية؛ وقررها في عدد كبير من دروسه ومواعظه، ولما كنت أزوره في بيته لكتابة ترجمته سجلت معه في هذا الموضوع كلمة تسجيلا سمعيا مما جاء فيها :
“يجب على كل مسلم أن يعتقد أن الله واحد في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته.
يعتقد أن الله واحد في ربوبيته، وهذا أمر فطري.
أما توحيد الألوهية أو توحيد الإلهية فهو أمر جاءت به الرسل كلهم لإنذار البشرية وتبشيرها بأن يعبدوا الله تعالى وحده، وكانوا يطلبون من أقوامهم أن يقولوا لا إله إلا الله؛ أي لا يستحق العبادة إلا الله، لا معبود بحق إلا الله؛ فلا بد من النفي والإثبات.
ويجب على المسلم أن يعلم أن الله تعالى له أسماء وله صفات خاصة به سبحانه وتعالى يجب أن يؤمن بها.
وهذا القسم زل فيه كثير من أهل العلم وكثير ممن ينتسبون إلى الإسلام وكانت هناك فرق وطوائف ضلت في هذه الأسماء إما بتحريفها أو تعطيلها أو نفيها أو تكييفها.
والواجب أن نعتقد بأن الله له أسماء سمى بها نفسه وصفات وصف بها نفسه دون تحريف ولا تكييف؛ يعني لا نقول: هذه الصفات على كيفية كذا وكذا وأن لا نشبه الله تعالى بخلقه.
مثال: الله تعالى قال: {يد الله فوق أيديهم}؛ فلله تعالى يد تليق به سبحانه وتعالى لا تشبه أيادي المخلوقات.
المخلوقات لها أيادي لكنها جارحة فيها عظام ولحم.. إلـخ.، أما الله تعالى فيده لا تماثل هذه الأيادي.
فكل الصفات التي جاءت في القرآن هي كذلك.
هناك نوع من الفرق الضالة أوّلت هذه الصفات، اعتقادا منها أنها تنزه الله تعالى؛ فقالت: إن يد الله أي قوة الله! تعالى الله عن هذا التأويل الذي يؤدي إلى التعطيل.
وهناك صفات أخرى؛ كصفة أن الله تعالى استوى على عرشه؛ {الرحمن على العرش استوى} أي الله سبحانه استوى على عرشه بالكيفية التي تليق به سبحانه وتعالى، وهناك من الأشاعرة وغيرهم من قال: معنى استوى الله؛ أي استولى! وهذا لا يشهد له شرع ولا لغة؛ الاستواء كما قال مالك رحمه الله: “الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة” يعني أننا نعلم أن هذا هو معنى العلو مثلا، هذا معلوم ولكن كيف؟ لا نكيف، فالله تعالى أعلم بكيفية ذلك.
فينبغي لنا أن نعتقد أن الله سبحانه وتعالى له هذه الصفات التي وصف بها نفسه ونمرها كما جاءت لا نكيفها ولا نعطلها لأن المؤولة أولوا فانتهى بهم الأمر إلى أنهم عطلوا اعتقادا منهم أنهم ينزهون الله تعالى.
وهكذا حديث: “إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة”؛ ينبغي أن نعتقد هذا، فإذا أوّلنا هذه الصفة وقلنا إنه ينزل أمره فإن ذلك يكون تعطيلا لهذه الصفة وتأويلا لها بما لا يكون.
ثم بعد هذا أيضا نأتي إلى مبحث آخر “مبحث أفعال العباد”؛ فنعتقد أن الله تعالى خلق العباد وخلق أفعالهم لقوله سبحانه وتعالى: {والله خلقكم وما تعملون}، أما الفلاسفة فقالوا: إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات! وهذا جهل بعظمة الله.
ثم بعد هذا أيضا نأتي إلى “القضاء والقدر”؛ فنحن نعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد قدر كل شيء بأجل وأن ما قدره لا بد أن يقع، نؤمن بالقدر خيره وشره وكل شيء يقع في هذا الكون إنما يقع بقدر الله تعالى وبعلمه سبحانه وتعالى.
ويجب أن نعتقد في الصحابة أنهم عدول ولا نطعن في أحد منهم لأن الله تعالى زكاهم جميعا بقوله: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} فالصحابة رضي الله عنهم -سواء كانوا من الذين تقدم إسلامهم أو من الذين تأخروا بعد الفتح وبعد الحديبية- وعدهم الله تعالى الحسنى أي الجنة؛ فلا ينبغي لنا أن نخوض في شأنهم بل نترضى على معاوية وعلى علي رضي الله عنهما وعلى جميع الصحابة ولا نفرق بين أحد ممن ثبتت صحبته، كما نحب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيما يخص قضية المعتقد في الولاء والبراء؛ يجب على المسلم أن يكون عنده ولاء أي يوالي المؤمنين، يوالي أهل السنة والجماعة ويبغض من طعن فيهم، ونتبرأ من دعاة البدع.
وليس معنى هذا أن نقاطع الناس وإنما ينبغي لنا أن ننصحهم.
فالولاء والبراء هو من أسس عقيدة الإسلام فينبغي للإنسان أن يوالي أهل السنة والجماعة ويعادي من خالفهما ومن عاداهما لأن المؤمن لا يكون مؤمنا حتى يحب أهل السنة والجماعة..”اهـ.
وقد عرف الشيخ رحمه الله بحرصه الشديد على اتباع السنة، واجتناب المحدثات والبدع، والتدين والدعوة على منهاج السلف الصالح؛ يكره التلاعب بالدين وتمييع أحكامه بدعوى التيسير، أو باسم العقلانية والعصرانية والانفتاح على الآخر، كما كان يواجه فكر الغلو والتشدد وينأى بالشباب عن الوقوع في أوحاله المهلكة.
فكان بحق من الذين ينفون عن دين الله تأويل الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين.

وظائفه ودعوته
– اشتغل مدرسا في سلك التعليم الابتدائي مع بداية الاستقلال، ثم أستاذا لمادة التربية الإسلامية بالسلك الثانوي.
ثم اعتزل التعليم ليتفرغ للدعوة وتعليم العلوم اللغوية والشرعية لطلبة العلم من مختلف التخصصات.

– عمل خطيبا وإماما راتبا وواعظا بمسجد عمر بن الخطاب، حي السدري، عمالة مولاي رشيد منذ عام 1406هـ/1984م إلى أن توفاه الله تعالى.
عمل مدرسا للعلوم الشرعية بالمسجد نفسه؛ حيث درّس البلاغة والنحو والأصول وفقه المذهب المالكي الذي كان رحمه الله، مرجعا فيه، لفائدة طلبة العلم من مختلف المستويات الجامعية وغيرهم.
– عيّنه الملك محمد السادس حفظه الله عضوا في المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء في جمادى الآخرة 1427/يونيو2006.

سمته وأخلاقه
كان الشيخ ذا سمت سني أصيل؛ لا يتهاون بالسنة في لباسه ولحيته وآداب الطعام والشرب، وغير ذلك.
وأما أخلاقه فقد أجمع كل من يعرفه أنه كان صاحب أخلاق صالحة؛ مؤدبا بشوشا كريما متواضعا حييا، وكان صاحب دعابة ومزاح شرعي لطيف.
كما كان ورعا تقيا؛ وقد كنت عنده ذات يوم فرنّ الهاتف، فأجاب سائلة سألته عن عورة المرأة مع المرأة، فأجابها بصوت وحال غير التي كان عليها معي؛ حيث بدت على وجهه ملامح الخوف والخشية من الله تبارك وتعالى، ولما وضع السماعة تنفس الصعداء كأنه كان يكابد أمرا عظيما، ثم جلس وقال لي: “ما شاء الله يحرجوننا بالفتاوى، وددنا لو كفانا غيرنا هذا الأمر”، أو قريبا من هذا الكلام، ثم استشارني في موضوع الفتوى، وأبى إلا أن نتباحث فيها!!

تلاميذه
لقد تتلمذ على الشيخ طلبة كثيرون من مختلف المستويات والأعمار؛ فكان منهم علماء أجلاء، ودكاترة فضلاء، ومشايخ ودعاة؛ يعدون بالمئات.

ما خلفه من علم نافع
وقد خلف -تقبل الله منه- بالإضافة إلى أولئك الطلبة؛ عددا كبيرا من تسجيلات دروسه، نجد بعضها في “موقع دار القرآن الكريم” التابع لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة (www.darcoran.ma)، وموقع: “منزلة المرأة في الإسلام” (www.manzila.net).
ولا أعرف له مؤلفا، والظاهر أنه شغل بالتدريس والخطابة والتربية عن التأليف، لكن كانت له تقديمات مفيدة لبعض الكتب؛ منها: كتابي: “منزلة المرأة في الإسلام وكشف الشبهات”، ومنها: “المختصر المفيد في أحكام ذبيحة العيد”، لأخينا الشيخ سعيد البحراوي..

أقوال العلماء فيه
(انظر مقالة “الشهادات”).

وفاته:
توفي رحمه الله ظهيرة يوم السبت 9 شوال 1431/الموافق لـ 18 شتنبر 2010.
وصليت عليه صلاة الجنازة بعد صلاة الظهر؛ يوم الأحد 10 شوال.
ثم دفن بمقبرة الغفران.
وقد ذكر ولده الأستاذ عبد الباري الصمدي؛ أنه كان يكثر في آخر حياته من وصيتهم بتقوى الله، وتكرار قوله تعالى: {ولو صدقوا الله لكان خيرا لهم}.

أولاده
خلف الشيخ الصمدي سبعة أولاد؛ ستة أبناء وبنت، خمسة منهم يحفظون كتاب الله كاملا، وهم: عبد الله؛ مهندس دولة في الطاقة والمعادن، ومحمد صلاح؛ مفتش التعليم الثانوي، وعبد الباري؛ أستاذ التعليم الثانويى وخطيب، وعبد الرحيم ورشيد؛ إمامان بالعاصمة البلجيكية بريكسيل.

مصادر الترجمة
– صفحة كتبها الشيخ بخط يده تتضمن موجزا عن مرحلة طلبه للعلم.
– كتاب “السلفية في المغرب ودورها في محاربة الإرهاب”.
– الموقع الإلكتروني للرابطة المحمدية للعلماء.
– معلومات استقيتها من بعض أبناءه وتلاميذه ومحبيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *