كيف يمكن ضبط الفوضى والتجاوزات الخطيرة في الساحة الإعلامية الوطنية؟

بحثا عن جواب لهذا السؤال استفسرنا عددا من الإعلاميين والفاعلين الجمعويين عن مظاهر هذه الفوضى وطرق ضبطها، فجاء جوابهم كالتالي:
هشام المنصوري (صحافي وناشط جمعوي)
لا تكتفي مواثيق أخلاقيات الصحافة في الدول الديمقراطية بالدعوة إلى الابتعاد عن التشهير، بل تحث الصحافيين على تنبيه من يسقط فيه والتنديد بمن يمارسه بشكل مُمنهج. عرفت البيئة الإعلامية المغربية مؤخرا تناسل عدد كبير من “المنابر الإعلامية”، الالكترونية على الخصوص، تقتات على الحياة الخاصة للمعارضين والأقلام اللاذعة المستقلة في تجاوز صارخ لكل الأخلاقيات المهنية المتعارف عليها.
إنه زمن صحافة الاغتيال واغتيال الصحافة.. أورد هنا ست ملاحظات تبرز القاسم المشترك بين هذه المنابر ومؤشرات عن الجهات الواقفة وراءها:
أولا: الخط التحريري المتخصص في الحياة الخاصة لمنتقدي النّظام ومعارضيه. إنه “جنس صحافي” جديد، بعيد عن صحافة الإثارة التي تتناول الحياة الخاصة للشخصيات العمومية، إذ أنّه يُعفي المقربين من النظام، المشتبه تورطهم في قضايا مماثلة، حتى في حال توفر تسجيلات.
ثانيا: الغموض الكبير على مستوى هيئات التحرير: إذ نلاحظ، لدى عدد كبير منها، غياب معلومات هامة وبسيطة كعناوين المقرات وأرقام الهاتف وحتى أسماء المشتغلين، وهو ما يصعّب إمكانية رفع دعوى أمام القضاء، خاصة مع اللجوء الكبير لتوقيع المقالات بأسماء مستعارة، بعضها يستعمل مرة واحدة.
ثالثاً: غياب نموذج اقتصادي واضح لدى هذه المقاولات، ورغم ذلك يحظى جُلّها، من خلال معاينتنا لصور بعض “مدرائها” على الشبكات الاجتماعية، بمكاتب فخمة، مع الأولوية والسبق في الولوج إلى المعلومة، خاصة الأمنية منها، واستفادتها المفرطة من السفريات الرسمية.
رابعا: استباق التهم الرسمية، وهو ما يؤكد على أن مصادرها أمنية بالأساس، وهذا تُزكِّيه العديد من التقارير الدولية التي تؤكد استثمار المغرب في شراء أجهزة متطورة للتجسس على الصحافيين والناشطين.
وهنا، أود أن أورِد حادثة بسيطة تؤكد هذه الحقيقة: عندما كنا نضع اللمسات الأخيرة لندوة دولية بالشراكة مع منظمة “فريدريش ناومان من أجل الحرية”، ومن أجل الضغط على المنظمة الشريكة، كتب موقع Le360 مقالا يتهجم فيه بشكل مباشر على مديرتها “أندريا نويس”. غير أن عنوان الندوة المشار، إليه في المقال، لم يكن سوى العنوان الأولي الذي تبادلته مع “أندريا” والمعطي منجب قبل تعديله في آخر لحظة.
خامساً: توقيت النشر غالباً ما يكون بعد إدلاء الشخص بتصريح أو كتابة مقال أو إعلان موقف يزعج النظام.
سادساً: عدم تجاوب القضاء في حال رفع دعوى قضائية.
في الختام هناك خطر كبير لهذا النوع من “الصحافة”، يتجلى في تناسل مواقع محلية تبنت هذا النوع من “الخط التحريري” طمعاً في التمويل المادي السخي، وتستعمل شبهة القرب من المخابرات للإفلات من القضاء. بمعنى أننا اليوم أمام صنفين من هذا “الإعلام”: صنف خلقته الأجهزة الأمنية، وصنف أنتجته البيئة التي خلقتها الأولى، (أنظر مثلاً تقرير “Their Eyes On Me” لمنظمة “بريفاسي أنترناشونال”).

عبد الرحمن زعتري (ناشط إعلامي وباحث في العلوم الإنسانية)
تعرف الساحة الإعلامية تسيبا، لأنها غير محكمة التأطير من الناحية المهنية، وتعرف تسيبا واضحا في حمل الصفة “الإعلامية”، ثم لكونها غير مهنية، بسبب كمية الشحن الأديولوجي، وتسخير الإعلام لتصفية حسابات خاصة.
أما عن سؤال كيف يمكن تجاوزها: أعتقد أن المشكلة بنيوية؛ ويتعلق الحل بترسيخ صارم للتقاليد الإعلامية؛ أيضا إعادة النظر في برامج التكوين في المعاهد الإعلامية؛ وسن قوانين تحد من تسيب التناسل الإعلامي للمواقع التي لا تتحمل المسؤولية.
بودي أن أطالب برفع السياسيين لأيديهم عن الحقل الإعلامي، لكن هذا غير ممكن… سيتسمر استغلال أصحاب النفوذ للمال المشبوه في شراء الذمم الإعلامية.

عبد الوافي لعلام (صحافي وناشط جمعوي)
صحيح تعرف الساحة الإعلامية فوضى وتجاوزات، ومن أسباب هذه التجاوزات في رأيي، اختراق وتحكم الأجهزة الأمنية في الجسم الإعلامي. أما تجاوز تلك الفوضى فيكون عن طريق رفع الوصاية والعمل على استقلالية الصحافة.

عبد الفتاح الحيداوي (ناشط إعلامي وجمعوي)
أولا عالم الصحافة اليوم ليس هو عالم الصحافة في الماضي حيث كانت بعض الأسماء، تزلزل السلطة قبل المجتمع، حتى أصبح الصحفي ضامن لحرية المجتمع،
فالصحافي كان صحفيا وحقوقيا ومدافعا، الآن أصبحنا نعيش مع جيل من الصحفيين أخلاقه متدنية، مشتت الفكر يبحث عن المال، لاتهمه القضية، شعاره ادفع وسأكتب.
طبيعي أن، تكون هناك فوضى، الصحافة مقياس لتطور مجتمع أو تخلفه، نظرة بسيطة على القضايا التي تتناولها الصحافة المغربية ستقيس حجم الوعي، للخروج من هذه الأزمة لابد من ميثاق يحدد الإطار الأخلاقي الذي يجب أن تعمل من خلاله الصحافة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *