قصة إغلاق مقرات دور القرآن قصة الذئب والشاة أبو الكرم إبراهيم – باحث جامعي

يحكى في الموروث الشعبي أن ذئبا أتى من أعلى الجبل حيث منبع جدول ماء، وبينما هو في طريقه قرب هذا الجدول التقى بشاة، فسألها لماذا تكدرين علينا المياه؟ فأجابت، لا يا سيدي الذئب، كيف يعقل أن أكدره وإنما أتيت من أسفل حيث يصب الجدول، وأنت أتيت من أعلى حيث منبعه، فقال: تشتمينني، فأكلها.

لقد طال بحث العلمانيين عما يثيرون به غضب الناس ويستفزون به السلطة والرأي العام، ولَكَم نشروا وحاولوا إلا أن كل محاولاتهم باءت بالفشل، إلى أن وقعت أعينهم على تفسير آية الطلاق لدكتور قضى نصف عمره في تدريس مادة تفسير القرآن الكريم لطلبة الجامعة، فطار بكلامه الحاقدون هنا وهناك، وأزبدوا وأرعدوا بعد تشويه الكلام وبتره، ونشروا ذلك في الصحف والمجلات والقنوات.
كليمات معدودات من الدكتور كانت كافية أن تودي بعشرات من جمعيات تحفيظ القرآن، وأن تجعل عذرا باردا لإغلاقها وتوقيف نشاطها، فالإغلاق كان مدبرا بليل وإنما جاءت فتوى الدكتور كجواب الشاة، لما كان الذئب مصمما على أكلها.
من يجيب؟
طلع علينا العلمانيون هذه المرة في مسوح الدين مدعين أنهم يحافظون على ثوابت الأمة، متلبسين بأثواب حراسة الفضيلة والشرف وحقوق الفتيات والأطفال، وقد عهدنا العلمانيين منتهكين للحرمات، هاضمين لحقوق الفتيان والقاصرات، متمردين على شرع رب الأرض والسماوات، فما الذي جرى؟ ومتى كان الذئب راعي الغنم؟ لكن صدق شوقي لما قال:
مخطئ من ظن يوما *** أن للثعلب دينا
ولي مع الموضوع وقفات وسؤالات:
الأولى: ادعت الصحف العلمانية أن الملتحين ينتهكون حقوق القاصرات.
وأنا أسأل: من الذي يظل يتتبع ويقتنص الفتيات القاصرات أمام الإعداديات والثانويات؟
ومن الذي دافع وبحرقة على مؤتمرات الشواذ وشارك فيها ودافع عن حقوقهم، وآزر وساند قضيتهم لما افتُضِح أمرهم بمدينتي تطوان والقصر الكبير؟
بل من الذي تملأ أخبار اغتصابه الفتيات القاصرات الجرائد والمجلات، من له دين يردعه ويحكمه أم من تركبه شهوته ونزوته؟
ومن اللواتي ينتهك عرضهن، اللواتي يسترن عوراتهن وزينتهن عن الرجال كما أمر الله (المتزمتات في القاموس العلماني)، أم اللواتي يتهتكن أمام الرجال ويفتخرن بانتفاخ صدورهن وسمن أفخاذهن، تاركين الفرصة للذئاب أن يفعلوا ما يشاؤوا؟
الثانية: ادعت الصحف العلمانية أنها تتحرى الصدق والأمانة في نقل المواضيع، في حين كشفت قضية تفسير آية الطلاق القناع عن تدليسهم وبترهم لكلام الدكتور، وعلقت الصحف على الموضوع دون نقل كلامه الذي قيده بضوابط شرعية ومعقولة، وهو بعيد كل البعد عما أذاعوا عنه، فإلى متى سيبقى إعلامنا يعيش على التحريف والتزييف والتهريج لإثارة القراء؟
الثالثة: إذا استحق تفسير الدكتور كل هذه الهالة الإعلامية وفتح التحقيق، من أجل مقولته، فما يقول السادة العلماء في اللواتي يعمرن الفنادق والحدائق العمومية من القاصرات، ويقدمن هدايا وقرابين للأجانب لقتل شرفهن مقابل دريهمات، ومقابل أن يقال: إن المغرب بلد منفتح متطور ليس فيه إرهاب؟
الرابعة: لماذا تشن على الدكتور هذه الحرب الإعلامية ولم نرها شنت على من سب الرسول صلى الله عليه وسلم (مجلة نيشان)، وعلى مهرجانات التفسخ والعري، وفضيحة القصر الكبير، وعيد الخمر بمكناس، وكلام خديجة البطار في النبي عليه الصلاة والسلام والصحابة وأئمة الحديث وغير ذلك، فلماذا الكيل بمكيالين؟ والغريب أن الهيئة الدينية العليا انجرفت وراء هذه الضجة بلا ترو ولا نظر.
الخامسة: في الأخير تكلم المجلس العلمي الأعلى، وليته سكت، فقد مرت قضايا مثيرة للجدل ومشينة للإسلام وللمقدسات لكنه استحب الصمت، حتى تكلم في قضية تفسير آية الطلاق، تكلم المجلس باتهامات وجهها إلى الدكتور، فضلّل وشغّب وسب وشتم، وكان الأولى أن يقنع الناس بأدلته ويبين وجه خطأ الدكتور ويفند حججه. أليس خليقا بالمجلس وهو أكبر هيئة علمية دينية بالمغرب أن يجتنب الألفاظ النابية والسب والشتم، فلماذا تشوه سمعة بلدنا وعلمائنا بهذه التصرفات؟
السادسة: مادام خصمهم أستاذا في التعليم العالي ودكتورا وعضوا في جامعة القرويين، ومدعو مرارا من طرف المجالس العلمية ويعرفون مكانته، وهو من أهل الاختصاص، ألم يكن من العدل والإنصاف أن يدعوه ويناظروه ويحاوروه؟ فلماذا تظل ترفع الشعارات للحوار وتكون مع اليهود والنصارى، ثم لا نقاش ولا حوار مع المسلمين اللهم إلا القمع؟
السابعة: ماذا يقول السادة علماء المجلس أصحاب الفضيلة في قول المكي الناصري وزير الأوقاف السابق، وما تتضمنه مقررات التعليم الأصيل في المسألة، وأقوال المالكية القدماء والمحدثين، بل ماذا يقولون في صريح القرآن وما جرى به عمل المغاربة والقضاة خمسة عشر قرنا وإلى الآن، أهذا شغب من كل هؤلاء؟
الثامنة: طالما سمعنا الدعوات تلو الدعوات إلى حرية الرأي، واحترام الرأي، والرأي الآخر وإلى قبول التنوع والاختلاف، فهل وسعت حرية الأقلام والصحافة أمة ممن تظل أقلامهم تتطاول على القانون والمقدسات الشرعية والوطنية، ولم تسع الدكتور الذي لم يعْدُ أن نقل كلاما من كتب التفسير والفقه، جهله الصحفيون والعلمانيون، وأخفاه بعض العلماء مكرهين؟
التاسعة: في خضم هذه الضجة، خرجت وزارة الأوقاف ومن تكلم عبر القناة الثانية 2M من الهيئات الدينية بنتائج منها تضييق نطاق الفتوى وحصرها على ذوي الاختصاص ومن تعينهم الأوقاف، فكانت القناة الثانية أول من استفاد من هذا الدرس فخرجت إلى الشارع تستفتي العوام ممن يتكلم في دين الله بهواه ورأيه، ويُحكِّم فيه جهله، فما هذا التناقض يا عباد الله؟ ولماذا لا تحترم التخصصات؟
العاشرة: من بركة بيان المجلس العلمي الأعلى، ومن حسناته في العشر الأواخر في رمضان أنه بمجرد صدوره أغلقت دور القرآن التي كان تحارب الأمية وتقرئ القرآن بالتجويد، وتمد المساجد بالأئمة، وتحارب الأفكار الهدامة المنحرفة، ونزعات الغلو والتطرف، “فمن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها”؟
وأخيرا: مُنع المغاربة من طرف مزودي الأنترنت من الدخول إلى الموقع الإلكتروني لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، وبه مئات المواهب المغربية في التجويد والدروس العلمية وشرح المتون المالكية وغيرها، في الوقت الذي تترك مواقع الخلاعة والزنا تنتشر انتشار النار في الهشيم ليحطم المغرب رقما قياسيا في ولوجها، كما لا تحجب المواقع المحرضة على العنف والتي تكفر الحكام والمجتمعات وتدعو إلى حمل السلاح على الأمة، فأين الإنصاف؟
بعد هذا كله، فالكل يعلم أن الحق عزيز، واعتناقه في مثل هذه الأحوال، كقبض الجمرة حال اشتعالها، لكني أقول هذا دفاعا عن الحق لا دفاعا عن المغراوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *