الرد على الصحف والمجلات المتهجمة على الشيخ المغراوي في فتواه بجواز الزواج بالصغيرة الأستاذ عبد العزيز لمسلك

حينما يستولي الهوى والمرض أو حب المصلحة والغرض على قلب الإنسان؛ تكون نظرته للأمور تبعا لما غلب عليه؛ فيحكم على الأشياء تبعا لذلك؛ فكيف إذا انضاف إلى ذلك الجهل والعجلة. هذا ما حدث لبعض من امتطى ظهر الصحافة من غير تأهل، حينما أفتى الدكتور محمد المغراوي بجواز زواج البنت الصغيرة وإن لم تحض. مستندا في ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع العلماء، فأثارت هذه الفتوى حفيظة ثلة من الصحفيين -زعموا- فاستنكروها بقوة، وتابع بعضهم بعضا على ذلك، مع استعمال أسلوب استهزائي على الفتوى وقائلها، فتارة باللمز، وتارة بالسب والشتم المباشرين، وأخرى بإلصاق أقبح الأوصاف التي ينزِّه قائلها عنها أفسق الفساق فإذا به يرمي بها عالما جليلا مهيبا. وكل إناء بما فيه ينضح.

وليت القوم تريثوا وتثبتوا في الفتوى، خصوصا وأن حاكيها عالم من علماء الأمة الأفذاذ الذين لهم الأيادي البيضاء على هذا البلد، مع رسوخ قدم في العلم، وليس من بياعي صيكوك، أو العطرية –كما حلا لبعضهم أن يصنفه في عدادهم- وخصوصا أنه حفظه الله استدل عليها بالقرآن والسنة والإجماع، وواحد من هذه الأصول يكفي؛ فكيف إذا اجتمعت؟
إذن فليست هذه الفتوى من الفتاوى الحمقاء والاجتهادات العجيبة كما قيل؛ بل هي فتوى شرعية لا يضيرها جهل الناس بها. لكن من استعجل من هؤلاء فردها لجهله -لا بها فقط؛ بل بأبجديات الدين- مستهزئا بها يكون قد أزرى بنفسه، وأوقعها فيما لا تحمد عقباه، خصوصا وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين: “إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم”.
والأدهى من ذلك والأمر رفع دعوى قضائية من بعض المغمورين من أجل هذه الفتوى، وهذا مما لم يسمع به التاريخ أن يقف المرء أمام المحاكم خصيما لكتاب الله وسنة نبيه وعلماء الأمة أجمعين. فلم يتعلق الأمر إذن بالمغراوي فقط؛ بل بعلماء الأمة بأجمعهم. فما أقبح الجهل حينما يورد صاحبه مثل هذه الموارد.
وأود أن أنبه تنبيهات مهمة قبل التفصيل في الموضوع:
1. أن جواز الزواج بالصغيرة لا يلزم منه الدخول بها؛ إلا أن تكون قادرة على ذلك؛ فإن لم تكن قادرة حرم على الزوج الدخول بها لما فيه من الأذية لها. وليس الأمر كما يظنه الحاقدون.
2. جواز الزواج بالصغيرة لا يعني فتح الباب أمام ما يسمى بالزواج العرفي من غير عقد ولا توثيق إذا كان هناك قضاة يسهرون على ذلك. وهذا ما عهدنا الدكتور المغراوي يفتي بمنعه لما فيه من ضياع لحقوق المرأة. اللهم إلا في بعض البلاد التي لا زالت لم تستعمل لذلك قضاة وعدولا.
3. جواز الزواج بالصغيرة لا يعني فتح باب الفساد لأصحاب الشهوات، معاذ الله؛ بل هو دعوة لصيانة وحفظ أعراض المسلمات. أما ما يفتح الباب على مصراعيه للفاحشة والفساد فهو دعوة صاخبة تحت عناوين فجة: كن صديقي، سيرة الحب، ميزان الغرام، نادي الصداقة، أصدقاء الصيف.. إلى غير ذلك من العناوين الداعية إلى الفساد جهارا نهارا، مع ما يصحب ذلك من صور الخلاعة والمجون.
فنعوذ بالله من حال من يرى القذى في عين الآخر ولا يرى الجذع في عينه. فهذا الذي يقيم الدنيا من أجل هذه الفتوى محملا إياها أبعادا هي منها براء، كيف يسكت على الفساد الواضح العريض، ويسمح لنفسه أن يعادي الحق وأهله.

الأدلة من القرآن والسنة والإجماع أشهر عند ذوي الاختصاص من أن تُذكر، فما ذنب الدكتور المغراوي إن جهلها الصحافيون؟؟
أما أقوال أهل العلم في الباب فهي أكثر من أن تحصر، فمن طالع كتب الفقه يجد الفقهاء تناولوا هذه المسألة في غير ما باب، فانظر مثلا أبواب الغسل، والنكاح، والطلاق، والإيلاء، واللعان، والعدة، والإحداد، والاستبراء، والوصية؛ تجد المسألة أشهر من أن تذكر في هذه الأبواب. وإليك أيها القارئ الكريم بعضها لمشاهير العلماء المالكية المعتمدين في المذهب:
شرح مختصر خليل للخرشي: “كعدة من لم تر الحيض واليائسة” (ش): التشبيه في أن العدة بثلاثة أشهر يعني أن عدة الحرة الصغيرة التي لم تر الحيض والشابة التي لم تحض في عمرها ثلاثة أشهر”.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: “(قوله: وإلا زوجها القاضي) أي سواء كانت بالغة أو لا، ولو لم تبلغ عشرا، ولو لم تأذن بالقول كما قال ابن رشد واللخمي”.
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: في العفو عن الصداق: قال: “إذ الحق أنه لا عفو له بعد الدخول سواء كانت رشيدة أو لا، ففي سماع محمد بن خالد أن الصغيرة إذا دخل بها الزوج وافتضها، ثم طلقها قبل البلوغ أنه لا يجوز العفو عن شيء من الصداق لا من الأب ولا منها.
جاء في المدونة قال ابن القاسم: “قلت: أرأيت الصبية الصغيرة هل عليها إحداد في قول مالك؟ قال: نعم”.
وفيها قال: “قلت: وكذلك المدبرة والأمة وأم الولد والصبية الصغيرة إذا مات عنهن أزواجهن هل عليهن الإحداد مثل ما على الحرة الكبيرة المسلمة البالغة؟ قال: وقال مالك: عليهن الإحداد مثل ما على المسلمة الحرة البالغة”.
وفيها قال ابن القاسم: “قلت: أرأيت إذا زوج الصغيرة أبوها بأقل من مهر مثلها أيجوز ذلك عليها في قول مالك؟ قال: سمعت مالكا يقول يجوز عليها إنكاح الأب، فأرى أنه إن زوجها الأب بأقل من مهر مثلها أو بأكثر فإن ذلك جائز إذا كان إنما زوجها على وجه النظر لها”.
وفيها قال ابن القاسم: “قلت: أرأيت الصغيرة التي قد جومعت والكبيرة والبالغة، أيكون القسم بينهما سواء في قول مالك؟ قال: نعم.”
منح الجليل شرح مختصر خليل قال: “وإن كانت الصغيرة تحت حاجة ملحة وهي في سن من توطأ فظاهر المذهب جواز نكاحها بإذنها، وهو قول مالك رضي الله تعالى عنه في كتاب محمد في بنت عشر سنين، وعليه العمل وبه الفتيا” ا هـ.
واسمع ما جاء عن عالمين جليلين لو فاه به الدكتور المغراوي لرمي بالجنون، جاء في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل: قال اللخمي: “وذكر بعض أهل العلم أنه رأى جدة بنت إحدى وعشرين سنة، وعرفتُ أن في بلاد مكة مثل ذلك كثيرا كاليمن” اهـ.
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر المالكي في كتابه التمهيد الذي طبعته وزارة الأوقاف بأمر من أمير المؤمنين (19/98): “أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها لتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين”.
وفي المعيار الذي طبعته وزارة الأوقاف بأمر من أمير المؤمنين نصوص في ذلك انظر الجزء:3 الصفحات: 48-96-97-245-266.
وذكر في مواهب الجليل أيضا عن الشافعي –الإمام المبجل- أنه قال: “أعجل من سمعت النساء تحيض، نساء تهامة يحضن لتسع سنين، ورأيت جدة لها إحدى وعشرون سنة، فالواجب أن يرجع في ذلك إلى ما يعرفه النساء فهن على الفروج مؤتمنات”. اهـ.
فهذان إمامان رأيا الفتيات الصغار يحضن في سن مبكرة، بل وحدثا عن جدة عمرها إحدى وعشرين سنة.
فهل يطعن عليهما وعلى من زكاهما؟
لكنها الأهواء عمّت فأعمت، وطمّت فصمّت. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة”.
فهذه أقوال هؤلاء الجهابذة الفطاحل تدين هؤلاء الصحفيين المتسرعين بما قالوا، فإما أن يبرأ الدكتور المغراوي مما قيل فيه، وإلا فالحكم شامل لكل هؤلاء العلماء الجبال!
فما عسى أن يكون جواب هؤلاء الصحفيين؟! وما المخرج لهم من هذا المأزق؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *