تحركات المتنصرين المغاربة.. من السرية إلى العلنية

 

عرفت الأربع سنوات الأخيرة خروج ما سمي بـ”المسيحيين المغاربة”، في إطار تجمعات وحركات وتنسيقيات تعبر عن نفسها عن طريق بلاغات وبيانات ومقالات وحوارات ومنابر إعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت لهم إذاعات ومواقع وصفحات فيسبوكية.

ففي يونيو 2016 أطلق عدد من المغاربة المسيحيين، في خطوة لا سابق لها، قناة على موقع اليوتوب للتحدث عن معتقداتهم الدينية علنا للمرة الأولى بعد نشاطهم على الفيسبوك والإنترنت منذ زمن، وتبث هذه القناة برنامجا يحمل عنوان “مغربي ومسيحي”، وهو عبارة عن حلقات قصيرة، يقدمها مغاربة مسيحيون من داخل المغرب وخارجه، البرنامج جرت التعبئة له منذ شهر مارس من نفس السنة.

ويظهر على دعاية البرنامج عدد من المغاربة يتحدثون بلهجة عامية قائلين “اسمي عتيقة، اسمي يوسف، اسمي الزبير، اسمي إيمان، اسمي زينب”، ومن ثم يقول كل منهم “أنا مسيحي ومغربي”. وإلى جانبهم، يظهر مغربي آخر يسمى “الأخ رشيد”، وهو مغربي اعتنق المسيحية منذ زمن وعرف بتقديمه برنامجا على الإنترنت بعنوان “سؤال جريء” هاجم من خلاله الإسلام واتهم المسلمين بعدم التسامح مع باقي الديانات.

وفي سابقة من نوعها، طرقت “التنسيقية الوطنية للمغاربة المسيحيين” أبواب المؤسسات الرسمية بالبلاد للدفاع عن حقوقهم؛ إذ قدم ممثلوها مذكرة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ يوم الاثنين 3 أبريل 2017 في اللقاء الذي جمعهم بالأمين العام محمد الصبار، وتطالب التنسيقية التي تظم 21 عضوا السماح بـ”إقامة الطقوس المسيحية بالكنائس الرسمية، والزواج الكنائسي أو المدني، وتسمية الأبناء بأسماء يرتضيها الآباء لأبنائهم، والتعليم الديني يجب أن يكون اختياريا للمسيحيين المغاربة، والدفن عند الممات بالطريقة المسيحية”.

وقال مصطفى السوسي، الناطق الرسمي باسم هذا التجمع، إن طلب اللقاء جاء بعد اطلاع أعضائها، على الفصل 161 من الدستور المغربي الذي ينص على أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤسسة وطنية تعددية ومستقلة، تتولى النظر في القضايا المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وحمايتها، وبضمان ممارستها الكاملة، والنهوض بها وبصيانة كرامة وحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، أفرادا وجماعات، وذلك في نطاق الحرص التام على احترام المرجعيات الوطنية والكونية في هذا المجال .

قبل لقاء “التنسيقية”، بالأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بحوالي شهرين، أقدم المجلس العلمي الأعلى، وهو أعلى مؤسسة دينية رسمية بالبلاد ويرأسها الملك، على إصدار فتوى تضمنتها وثيقة “سبيل العلماء”، الصادرة عن المجلس، راجع فيها فتوى سابقة له تقول بـ”قتل المرتد”، أي المسلم الذي يغير دينه، لتعطي الفتوى الجديدة مفهوما سياسيا للردة من خلال ربطها بـ”الخيانة العظمى”، موضحة أن الفهم الأصح لمفهوم الردة “المنسجم مع روح التشريع ونصوصه، ومع السيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم، أن المقصود بقتل المرتد هو الخائن للجماعة، المفشي لأسرارها، والمستقوي عليها بخصومها، أي ما يعادل الخيانة العظمى في القوانين الدولية”.

كما عقد المغاربة المسيحيون المنضوون تحت لواء “تنسيقية المغاربة المسيحيين”، منتصف يوليوز الماضي، اجتماعا سريا بالدار البيضاء لتدارس ما يتعرضون له من “مضايقات من طرف مصالح وزارة الداخلية”، حسب تعبيرهم.

وأفضى الاجتماع إلى توجيه هؤلاء رسالة مفتوحة وعاجلة إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، ووزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، ورئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمدير العام للأمن الوطني، عبد اللطيف الحموشي، مطالبين من خلالها بـ”التدخل لوقف الشطط في استعمال السلطة الذي يجلب الضرر لهم ولكافة الوطن”.

استند “المغاربة المسيحيون”، في رسالتهم للعثماني على تصريحات للعاهل المغربي لصحافة جمهورية مدغشقر، نوفمبر الماضي، قال فيها إن “ملك المغرب هو أمير المؤمنين؛ المؤمنين بجميع الديانات”، التي اعتبروها “إنصافا لنا نحن المغاربة المسيحيون باعتبارنا مؤمنين، وتكريس لحقنا في الاعتقاد المكفولة بمضامين وأحكام الدستور المغربي والتي تتماشى مع التزامات المملكة المغربية في إعمال المواثيق الدولية لحقوق الإنسان”.

ولم يتردد المغاربة المسيحيون، في أن يعلنوا صراحة “إننا أصبحنا لا نجد حرجا في الاعتراف بأننا مواطنون مغاربة نعتنق المسيحية، ولم نعد نشعر بالغربة في وطننا، رغم التضييقيات المستمرة علينا، لكننا ممنوعون من القيام بشعائرنا الدينية في الكنائس التي هي حكر على الأجانب فقط”.

من جهة أخرى صرح عدد من المتنصرين المغاربة في عدد من الحوارات، أنهم لا يتعرضون لأي اضطهاد، وأنهم في أقصى الحالات، يتم استدعاؤهم لمخفر الشرطة لمدة لا تتجاوز أربع ساعات، يوقعون خلالها على محضر يقرون فيه باعتناقهم المسيحية، ويلتزمون بعدم ممارسة التبشير، وعدم زعزعة عقيدة المسلمين، ثم يذهبون لحال سبيلهم.

وأضاف بعض من حاورتهم عدد من المنابر، أنهم يعتمدون تمويلا ذاتيا، حيث أن كل متنصر يتبرع بالعشر من مداخيله الشهرية، لصندوق الكنيسة، الذي يسمى “صندوق الرب”، ويخصص لمصاريف المساعدات التي يتم صرفها للمتنصرين الجدد في وضعية اجتماعية صعبة.

ولا توجد أبدا كنائس مغربية كاثوليكية أو أرثوذوكسية، إذ أن كل الكنائس المغربية، هي إنجيلية، ملتزمة مع الدولة بعدم ممارسة التبشير، لكنها تساعد بشكل مباشر أو غير مباشر المغاربة المتنصرين وتحتضنهم.

ولا توجد إحصاءات مغربية رسمية بعدد “المغاربة المسيحيين”، إلا أن تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية لسنة 2016، قال إن 99 بالمائة من ساكنة المغرب مسلمون سنيون، و1 بالمائة المتبقية تضم معتنقي ديانات ومذاهب أخرى.

واستند التقرير الأمريكي إلى من وصفهم بـ”القادة المسيحيين المغاربة والأجانب”، ليقدر عدد المسيحيين المغاربة بما بين 2000 و6000 مسيحي موزعين على جميع أنحاء البلاد، من أصل 34 مليون مغربي.

وقال التقرير إن ما بين 1000 و3000 مسيحي مغربي يترددون بانتظام على “كنائس منزلية”. فيما قدر التقرير مجموع عدد المسيحيين الأجانب المقيمين في المغرب، بحوالي 40 ألف شخص، 75 بالمائة منهم مسيحيون كاثوليك، و25 بالمائة المتبقية بروتستانت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *