قبيل منتصف شهر ماي أصدرت حركة “اليقظة المواطنة” بيانا تحت عنوان: “تصريحات المغراوي منافية لأسس الدولة الديمقراطية ولثوابت الدستور”؛ وجاء البيان بعد أن طالب الدكتور المغراوي حكومة بنكيران بنصرة الإسلام وقضاياه إن هو أراد أن يبقى حزبه على رأس الحكومة لأطول مدة، فعبر عنها بجملة مشهورة تفيد المبالغة ولا يقصد معناها وهي “إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها” فادعوا أن الدكتور المغراوي يورث الحكم لحكومة بنكيران.
وقد شمل بيان الحركة عبارة “أسس الدولة الديمقراطية وثوابت الدستور” ثلاث مرات، وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل: هل يحترم العلمانيون الإسلام؛ ما دام الدستور يعتبره من الثوابت وعليه تبنى مؤسسة إمارة المؤمنين؟ أم أنه مجرد إلزام للخصوم وقراءة مؤدلجة لمضامينه؟
فأبرز مؤسسي حركة “اليقظة المواطنة” كأحمد عصيد مثلا؛ يعتبرون الدين إذا تجاوز صبغته الفردية أصبح مزعجا للبشرية ومصدر ضرر بالغ، وقد تساءل عصيد في إحدى مقالاته في معرض حديثه عن الإسلام: “هل يمكن لأي دين أن يتجاوز اليوم حدود الإشباع الروحي والاعتقاد الباطني الشخصي والفردي دون أن يكون مصدر ضرر بالغ وإزعاج للبشرية وإهانة لذكائها؟” أحمد عصيد/أسئلة الإسلام الصعبة.
فالحديث عن الثوابت عند العلمانيين لا يشمل الدين إلا كمعطى ثقافي وموروث تاريخي اجتماعي، يجب أن يبقى من الناحية العملية مختزلا في طقوس لا يسمح بممارستها إلا بشكل لا يتعارض بحال مع مفهوم الدولة الديمقراطية الحداثية، أي أن يكون الدين/الإسلام شكليا لا يزاحم العلمانية في ميادين التدافعات السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
فهذا هو الأساس الذي تنبني عليه الدولة الديمقراطية في نظر علمانيي “اليقظة” وهو معنى فصل الدين عن الدولة الذي يقتضي عدم السماح للعلماء أو الدعاة بممارسة أي نشاط أو دعوة تعارض مفهوم الدولة الديمقراطية الحداثية، ومن ثمة منع كل خطاب يتحرش بهذا المفهوم المقدس لديهم للدولة.
ومما جاء في البيان المذكور: “وإذا كنا لا نحتاج للتذكير بأن الدستور في الفصل السابع يصرح بأنه “لا يجوز أن تؤسس الأحزاب السياسية على أساس ديني… ولا يجوز أن يكون هدفها المساس بالدين الإسلامي، أو بالنظام الملكي، أو المبادئ الدستورية، أو الأسس الديمقراطية…” فإن الخلط المقصود في هذه الخرجات -وأخرى- بين تدبير الشأن الحكومي والطابع الديني للدولة يعتبر ضربا من التحالف بين الحزب الذي يقود الحكومة وهذه التيارات في لعبة لتوزيع الأدوار، لعل هذه الخرجة واحدة من سيناريوهاتها. وهو ما يعتبر مسا مباشرا بالمبادئ الدستورية وبأسس الدولة الديمقراطية، لأن المجال الديني من اختصاص إمارة المؤمنين (الفصل 41).
فأول ما يظهر لقارئ البيان أن التقارب والتعاون بين الفصائل الإسلامية أصاب أبناء الحركة بالغيظ الشديد حيث لم يستطع الذين صاغوا منهم نص البيان أن يتجنبوا الوقوع في لحن القول الذي أبان عما تخفيه صدورهم من الكراهية والحقد ورغبات الاستئصال.
فمتى كان عصيد والرويسي ومن على شاكلتهما من العلمانيين يعترفون بإمارة المؤمنين؟
أليس من العار وانعدام النزاهة لدى أصحاب البيان أن يعترفوا بما يناقض مذهبهم؟
فهل أصبحت علمانيتهم طيعة بالقدر الذي تقبل تصنيف الناس إلى مؤمنين لهم أميرهم، وكفار خارجين عن إمارة المؤمنين؟
أم هو الاستغلال الظرفي لوضع يجب التعامل معه حتى تحين فرصة القضاء عليه؟
وكيف يرضى أدعياء الحداثة لأنفسهم أن يدافعوا عن سلب حرية التعبير لدوافع إيديولوجية؟
ولماذا يسمحون لأنفسهم بنقد الدين وشريعته، ورمي الإسلام والمسلمين بكل نقيصة ويعتبرون ذلك من صميم حرية التعبير ومن باب الدفع بالبلاد إلى مراقي الحداثة والتنوير، بينما ينتهكون هذا الحق عندما يكون المستفيد غرماؤهم من الإسلاميين والدعاة والعلماء؟
ثم متى كان المجال الديني محتكرا من طرف الحكام والملوك في المغرب؟
وهل يفهم من الفصل 41 من الدستور أن الكلام في الدين نصرة وتعليما ودعوة وردا على الطاعنين فيه محرم على المغاربة لأنه من اختصاص إمارة المؤمنين؟
إن كل هذه الترهات هي من قبيل استغلال مضامين دستورية لتكميم أفواه العلماء والدعاة و”الإسلاميين” وإرهابهم بالسلطة؛ حتى يتم عزل الدين في المسجد في محاولة منهم لتهيئة التربة والمناخ المغربيين من أجل استنبات مشروع علماني متطرف لا يعترف بالإسلام ولا بالإيمان ولا بالمؤمنين ولا بأميرهم.