إن من فضل الله عز وجل ومنته على هذه الأمة إنزال القرآن الكريم نوراً وهدى، ضياء وشفاء، والمؤمن الصادق المعتني بالقرآن تلاوة وحفظاً، تدبراً وتأملاً، فهماً وعملاً، يستشعر هذه النعمة العظيمة ويغتبط بها ويحمد الله جل وعلا أن وفقه لذلك وحببه إليه وأعانه عليه، قال تعالى: “يَا أهْلَ الكِتَابِ قَد جَاءَكُم مِن اللهَ نُورٌ وكِتَابٌ مُبِين يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ” (المائدة)، إن لكتاب الله عز وجل المكانة العظيمة والمنزلة الجليلة، إذ هو كلام الله عز وجل منزل غير مخلوق، وتعظيمه وإجلاله دليل على تعظيم الله سبحانه وخشيته، فليس فيما نرى ونسمع كتاب أحيط به من الإجلال والتقديس والتعظيم والاحترام من جميع الجوانب وفي صور متعددة كالقرآن الكريم، فقد وصفه الله تعالى بأنه كتاب مكنون، وحكم بأنه لا يمسه إلا المطهرون، وأقسم على ذلك بقوله: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ، لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ” (الواقعة).
وقد أولى سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى هذا الأمر عناية بالغة، معتمدين في ذلك على نصوص الوحيين الكتاب والسنة، وما أداهم إليه اجتهادهم وحرصهم على تعظيم القرآن وإجلاله، فالتزموا آداباً في التعامل معه وسلكوا طرقاً شتى تدل على احترامه وتوقيره عندهم، يدعون غيرهم إلى ذلك بعد أن كانوا قدوة لهم، ويحذرون من كل قول أو تصرف يظهر فيه تنقصه أو الإخلال بمنزلته أو الحط من قدره، وينكرون على من يخل بآدابه وما يجب تجاهه أو يتهاون في ذلك.
كيف لا وهو المنهل الذي تنهل منه أحكامها على مرّ الزمان والعصور، والمرجع الأساس للأمة الإسلامية في تحكيمها وتعاملها مع البشر كافة، فما كان المسلمون ملتزمون بهذا النهج إلا علوا وارتقوا فوق كل الأمم، وما زاغوا وضلُّوا عن هذا الصراط إلا ذلوا وانحطوا وأصبحوا في ذيل الأمم، وبهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي”، والذي ينظر في أيامنا هذه إلى واقع الأمة الإسلامية يعلم يقينا أن الأمة بعيدة كل البعد عن ذلك المنهج مخالفة كل المخالفة لأمر ربها ورسولها.
لقد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الأمة في آخر الزمان ستترك أمر ربها وستلحق بالأمم السابقة تبعا لها في أخلاقها وحضارتها واقتصادها وجميع شؤون حياتنا، فقال عليه الصلاة والسلام: “لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه وراءهم، قالوا يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذن!” ومن هنا يتبين لنا كيف أصبحت الأمة مقلدة لليهود وللنصارى في شتى السبل وفي كل الميادين.
حتى أصبح المسلم من أصغر شؤون حياته إلى أكبرها ينظر إلى هؤلاء القوم فيحذوا حذوهم ويسير على دربهم.
فها هي الأمة في اقتصادها تغرق في التعامل بالربا التي حرمها الله تعالى وأعلن الحرب على المتعاملين بها، ولكنها تبعية لليهود والنصارى، وها هي الأمة تغرق في بحور الخمور والسفور والتبرج واللواط والسحاق، رغم تحريم شرعها لكل ذلك ولكنه التقليد الأعمى والتبعية الغرب.